التقى العميد موسى سالاو بارمو، والذي أصبح بعد ذلك القناة الدبلوماسية الرئيسية بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري الانقلابي في النيجر، في يونيو الماضي (قبيل الانقلاب) مع رئيس قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي لمناقشة سياسة مكافحة الإرهاب. وقد شعر القادة العسكريون الأمريكيون بالصدمة عندما استولت مجموعة من كبار ضباط الجيش على السلطة في النيجر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الحرب ضد الجماعات المسلحة في غرب إفريقيا. ولعل أكثر ما جعل واشنطن تشعر بالصدمة هو تلك الصور المتلفزة لرجل بعينه: العميد موسى سالاو بارمو كأحد مدبري الانقلاب.
فقد تقرب الجيش الأمريكي من بارمو منذ ما يقرب من 30 عامًا عندما كان لا يزال شابًا أرسلته الولايات المتحدة إلى جامعة الدفاع الوطني المرموقة في واشنطن العاصمة؛ حيث دعا الضباط الأمريكيين إلى منزله لتناول العشاء، ليصبح بعد ذلك بعقود الرجل المسؤول عن قوات النخبة الحاسمة لوقف تدفق مقاتلي القاعدة وداعش عبر غرب إفريقيا.
وفي الأسبوعين اللذين أعقبا انقلاب النيجر، برز بارمو كقناة دبلوماسية رئيسية بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري؛ حيث يحمل الضباط والدبلوماسيون الأمريكيون رقمه في هواتفهم المحمولة ويعتقدون أنه أفضل فرصة لهم لاستعادة الديمقراطية ومنع حرب إقليمية فوضوية من شأنها أن تغرق أحد أفقر مناطق العالم في أزمة أكثر عمقًا.
وقد اجتمع بارمو في نيامي، عاصمة النيجر، لمدة ساعتين مع فيكتوريا نولاند، القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكية، ولكن أثبتت المحادثات حتى الآن أنها محبطة، لكن نولاند، التي كانت تعلم تقارب بارمو الطويل مع الولايات المتحدة، حثته على التوسط في صفقة من شأنها أن تسمح للنيجر وحلفائها الغربيين القدامى بالعودة إلى محاربة القاعدة وتنظيم الدولة ومقاتلي بوكو حرام ومنع البلاد من أن تصبح معقلاً أفريقيًا آخر لتلك الجماعات، إضافة إلى روسيا ومجموعة فاغنر شبه العسكرية.
وقد صرح الميجر جنرال متقاعد بالقوات الجوية مارك هيكس، الذي ترأس قوات العمليات الخاصة الأمريكية في إفريقيا من عام 2017 إلى عام 2019 ويعتبر برمو صديقا شخصيا مقربا: “الكثير مننا ممن أحبوه يعتقدون أنه يستطيع أن يساعد في توجيه تلك الأزمة إلى بر الأمان”، ولكن مع ذلك تظل الحقيقة أنه لا يوجد ما يمثل تحطم آمال حملة مكافحة الإرهاب الأمريكية في غرب إفريقيا من بارمو نفسه؛ حيث كان يعتبر مفيدًا لاستراتيجية الولايات المتحدة حتى تباعدت مصالحهم.
إن منطقة الساحل هي منطقة شبه قاحلة جنوب الصحراء مباشرة حيث قتل المسلحون الآلاف في السنوات الأخيرة، مما جعلها واحدة من أكبر ساحات القتال في العالم في المعركة التي استمرت 20 عامًا ضد الجماعات المسلحة. ويتمثل جوهر النهج العسكري الأمريكي في إرسال الكوماندوز الأمريكيين لتدريب القوات الخاصة المحلية لقيادة الحملة؛ حيث كان بارمو، الذي تشكل قواته أفضل قوة قتالية في النيجر، ركيزة أساسية في هذا النهج.
قال هيكس: “إن خسارة معقل في النيجر، إذا كانت هذه ستصبح نتيجة الانقلاب، ستكون انتكاسة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة”. النيجر “كانت جزيرة الاستقرار في بحر الاضطرابات”.
فعلى مدى العامين الماضيين، ألقت الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر الآن بظلال من الشك على ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة مساعدة بلدان الساحل في الدفاع عن نفسها ضد التمردات المسلحة، مع منع موسكو من الاستفادة من حالات عدم الاستقرار تلك.
وقد هددت الدول المجاورة، بقيادة نيجيريا، القوة الإقليمية الرئيسية، بإرسال قوات إلى النيجر لإنقاذ الرئيس المخلوع محمد بازوم، الذي لا يزال محتجزًا في نيامي، وإعادته إلى السلطة، في حين تعهدت المجالس العسكرية الانقلابية في بوركينا فاسو ومالي، التي استأجرت مرتزقة فاغنر المرتبطين بالكرملين في محاولة فاشلة لقمع تهديدها المسلح، بدعم النظام العسكري الجديد في النيجر.
وقالت إحدى عشرة دولة في غرب إفريقيا، بقيادة نيجيريا، إنها قد ترسل قوات إلى النيجر لعكس اتجاه انقلاب الشهر الماضي وإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، في حين دعمت دولتان يديرهما الجيش – بوركينا فاسو ومالي – المجلس العسكري الحاكم الجديد في النيجر، ومن ثم تثير المواجهة احتمال أن تغرق منطقة الساحل في حرب إقليمية جديدة في ظل تمرد قائم.
وحتى قيام المجلس العسكري بترقيته إلى رئيس أركان الدفاع، كان بارمو يقود القوات الخاصة في النيجر، وقد عمل رجاله جنبًا إلى جنب مع القبعات الخضراء الأمريكية حتى لحظة انقلاب 26 يوليو ضد بازوم، بعد أكثر من عامين بقليل من توليه منصبه، ومثله مثل بارمو، كان بازوم الرجل المفضل للولايات المتحدة وطالبت إدارة بايدن على الفور بإعادته إلى السلطة.
وقد أنفقت الولايات المتحدة حوالي 500 مليون دولار لبناء قوات دفاع في النيجر، إضافة إلى قاعدة طائرات بدون طيار بنتها الولايات المتحدة في بلدة أغاديز، ومحطات تضم حوالي 1100 جندي أمريكي في البلاد. وتتشارك قوات الكوماندوز الأمريكية المواقع الأمامية مع قوات بارمو في بلدات أولام، حيث يقاتلون ميليشات محلية للقاعدة وداعش، إضافة إلى بلدة ديفا، حيث تركز العمليات القتالية على مقاتلي بوكو حرام الذين يشنون هجمات حول بحيرة تشاد.
وفي أعقاب التمرد العسكري، علقت الولايات المتحدة تدريبها للقوات النيجرية وقطعت بعض المساعدات العسكرية الأخرى للنيجر، وفور إعلان وزارة الخارجية رسمياً أن ذلك التحرك العسكري كان انقلاباً، فسيتطلب القانون الأمريكي مزيدًا من التخفيضات في المساعدات العسكرية، بالرغم من أن الولايات المتحدة تعهدت بمواصلة تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية الأخرى للنيجر.
ومن ناحية أخرى يدرك بارمو جيدًا أن الانقلاب قد يكلفه دعمًا قتاليًا حاسمًا لجيش بلاده؛ فلا مزيد من التدريب المشترك أو النصائح التكتيكية من الولايات المتحدة وفرقة القبعات الخضراء الأمريكية Green Berets إضافة إلى دعم الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تمارس عمليات الاستطلاع والمراقبة لمساندة القوات على الأرض.
وقد تواصلت جريدة وول ستريت جورنال مع بارمو الذي رد عليها بعد أيام قليلة من الانقلاب: “إذا كان هذا هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل سيادتنا، فليكن”، في حين لم يرد على المزيد من الأسئلة المتعلقة بهذا المقال.
وعلى الصعيد الرسمي يحاول المسؤولون الأمريكيون معرفة ما إذا كان بارمو قد قرر أنه وزملائه الجنرالات هم أفضل أمل لتحقيق الاستقرار في النيجر، أو ما إذا كان على استعداد للمساعدة في التفاوض للعودة إلى الحكم المدني. وقد وصفت نولاند، نائبة وزيرة الخارجية، محادثات هذا الأسبوع مع بارمو في نيامي بأنها “صريحة للغاية وفي بعض الأحيان صعبة للغاية” – حيث اتسمت الدبلوماسية بالمواجهة ولا تعتبر ناجحة.
وقالت نولاند للصحفيين بعد الاجتماع “إنهم (المجلس الانقلابي) حازمون تماما في رأيهم بشأن الكيفية التي يريدون المضي بها قدما، والتي لا تتماشى مع دستور النيجر”، وذلك خلال محادثاتها مع بارمو، حيث لعبت نولاند دورًا في علاقاته الطويلة مع القوات الخاصة الأمريكية، مذكّرة إياه بأن النيجر تخاطر بفقدان المساعدة العسكرية الأمريكية ما لم يتم استعادة النظام الديمقراطي.
ويقول مسؤولون أمنيون آخرون من غرب إفريقيا إن نجاح واشنطن في إقناع بارمو بالانحياز إلى جانبهم سيكون محوريًا. وقال ضابط كبير بالجيش من المنطقة إن الجهود الدبلوماسية الأمريكية تظل الأمل الأفضل في التوصل إلى نتيجة “دون إراقة دماء”، وأضاف: “على الولايات المتحدة أن تختار: إما البقاء في النيجر أو ترك المكان لفاغنر”.
ووصفه أحد جيرانه بأن الجيش كان مركز حياة بارمو منذ أن كان في الثانية عشرة من عمره، عندما غادر النيجر، إلى المدرسة العسكرية في كوت ديفوار، ثم انتقل إلى الأكاديمية العسكرية في الكاميرون. وقد كان والد بارمو، وهو موظف حكومي بعد استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960، يثني ابنه عن الانضمام إلى الجيش، على أمل أن يواصل دراسته بدلاً من ذلك. لكن بارمو الأصغر كان مصمماً وانخرط في صفوفه في عام 1989، وقد تعامل معه الجيش الأمريكي في وقت مبكر ووصفه بالنجم الصاعد واتخذ خطوات لجذبه إلى المدار الأمريكي. ففي عام 1994، حضر دورة في اللغة الإنجليزية في قاعدة لاكلاند الجوية في سان أنطونيو. والآن هو يتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية والهوسا – وهي لغة يتم التحدث بها في المناطق من نيجيريا إلى السودان – لدرجة أن أحد الضباط الأمريكيين قال في المؤتمرات الدولية، يبدو أن الجنرال في بعض الأحيان يفقد مسار اللغة التي كان يتحدث بها.
وقد أرسلت الحكومة الأمريكية بارمو إلى سلسلة من الدورات فيما كان يسمى آنذاك بقاعدة فورت بينينج، جورجيا، لتدريبه على قيادة هجمات المشاة والمظلات من الطائرات. من بين النشاطات الأخرى، حضر دورات في جامعة العمليات الخاصة المشتركة، المجاورة لمقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في تامبا. يتذكر بارمو أنه في وقت مبكر من التسعينيات، أدركت النيجر التهديد من ميليشسا الجماعات المسلحة، الذين كانوا في ذلك الوقت يتدفقون من الجزائر بحثًا عن ملاذ آمن في النيجر. وقال بارمو في مقابلة في نوفمبر: “بينما أنكرت بعض الدول الأخرى حقيقة أن لديها قضية إرهابية، وما زال البعض يحاول التفاوض مع الإرهابيين، قررنا في النيجر أننا لن ندع هذا يحدث”. وفي عام 2004، تولى بارمو قيادة أول سرية للقوات الخاصة في النيجر، دربتها القوات الخاصة الأمريكية. وبعد ثلاث سنوات، انتقل إلى واشنطن العاصمة، وحصل على درجة الماجستير في دراسات الأمن الاستراتيجي من جامعة الدفاع الوطني، في حرم جامعي يلتقي فيه نهرا بوتوماك وأناكوستيا.
بالعودة إلى غرب إفريقيا، بدأت الجماعات المرتبطة بالقاعدة، ثم تنظيم الدولة في وقت لاحق، في كسب الأرض من خلال الوحشية والاستغلال الذكي لمظالم القرى والسكان المحليين، مثل النزاعات حول حقوق الأرض بين الرعاة والمزارعين. في بعض الحالات، عزز مقاتلو القاعدة من مواقفهم بالزواج من نساء محليات. وفي البداية، اجتاح المسلحون مالي، وبحلول عام 2017 كانوا يشنون هجمات في بوركينا فاسو والنيجر. في ذلك العام، قُتل أربعة جنود أمريكيين وخمسة جنود نيجيريين في كمين نصبه تنظيم الدولة في قرية تونغو تونغو. واستطاعت فرق القبعات الخضراء الأمريكية أن ترشد قوات بارمو للخروج من مواقعها بعيدًا عن طريق الأذى.
وتعتبر الولايات المتحدة أن القوات الخاصة في النيجر هي من بين أفضل القوات في غرب إفريقيا، وبعد أن طرد القادة العسكريون في مالي وبوركينا فاسو القوات الغربية، نظرت واشنطن إلى النيجر على أنها نقطة انطلاق ضد الجماعات المسلحة. شعرت الولايات المتحدة بالارتياح بشكل خاص لأن النيجر لم تظهر أي ميل لتوظيف مرتزقة فاغنر.
وقال بارمو في نوفمبر: “منذ البداية، كانت لدينا هذه الشراكة القوية مع الولايات المتحدة”. “إنهم مهمون جدًا بالنسبة لنا.” وقبل أقل من ستة أسابيع من محاصرة القوات النيجرية للرئيس بازوم في مقر إقامته، نشر الجيش الأمريكي صورة لبارمو يبتسم ويحتضن قائد قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، اللفتنانت جنرال جوناثان براغا، في قاعدة نيامي الجوية المشتركة، وكان هدف الزيارة هو مناقشة سياسة وتكتيكات مكافحة الإرهاب.
في بعض الأحيان، امتزجت تلك التحالفات المهنية بالصداقات الشخصية؛ فقد أحضر بارمو ذات مرة ماعزًا مطبوخًا إلى منزل آمن في نيامي لتناول العشاء مع هيكس، ثم قائد العمليات الخاصة الأمريكية وأفراد السفارة الأمريكية. لم يكن هذا هو الحال مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في النيجر، وفي اجتماعات مع نظرائها الأمريكيين، عبّر بارمو بحرية عن المشاعر المعادية لفرنسا. في عام 2021، استضاف حفلة ليلة رأس السنة الجديدة في منزله في نيامي، حيث دعا ضباطًا أمريكيين وبريطانيين وليس ضباطًا فرنسيين، وفقًا لضابط أمريكي. وقال الضابط إن بارمو استاء من ممارسة فرنسا في القيام بعملياتها الخاصة ضد الجماعات المسلحة دون استشارة القادة النيجريين.
على الرغم من البداية البطيئة للمحادثات بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري، يأمل أصدقاء بارمو الأمريكيون أن يكون لديه مساحة للمناورة السياسية وميل شخصي للضغط من أجل حل يبقي النيجر إلى جانب واشنطن. لكن نولاند غادرت اجتماعا مع بارمو دون وعد بمزيد من المحادثات. ورفض المجلس العسكري السماح لها بزيارة بازوم، الرئيس المنتخب المسجون، أو الجنرال عمر تشياني، الذي انتقل في غضون ساعات من قائد الحرس الرئاسي لبازوم إلى بديل بازوم الذي عينه بنفسه. قالت نولاند: “لذلك تُرِكنا لخيارنا الأخير وهو أن نعتمد على بارمو لنوضح له، مرة أخرى، خطورة الوضع الحالي”.
مايكل إم فيليبس ـ وول ستريت جورنال
ترجمة: مجلة قراءات إفريقية