spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

هل تلبّي مخرجات قمة بريكس الـ(15) طموحات الدول الإفريقية؟

اضطلعت جنوب إفريقيا دوريًّا برئاسة مجموعة “بريكس” BRICS لعام 2023م، ومِن ثَمَّ نظمت واستضافت القمة الـ(15) لرؤساء دول المجموعة، تحت شعار “بريكس وإفريقيا: الشراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة” BRICS and Africa: Partnership for Mutually Accelerated Growth, Sustainable Development and Inclusive Multilateralism، في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023م في مدينة جوهانسبرج أكبر المدن الجنوب إفريقية (ثاني قمة للمجموعة تستضيفها جوهانسبرج)، وفي هذه القمة حضر شخصيًّا رؤساء الدول الأربعة: البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا، بينما غاب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” عن الحضور بشخصه، وتقرَّر حضوره عبر تقنية الـ “فيديو كونفرانس: Video Conference”؛ نظرًا لما كان سيُسَبِّبه حضوره الشخصي من حرج لجنوب إفريقيا؛ لكونها مُوقِّعَة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يُلزمها بتسليم “بوتين” إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ حال دخوله البلاد.

وكانت جنوب إفريقيا قد وجَّهت الدعوة إلى حوالي (67) دولة، من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ودول الكاريبي، للمشاركة في أعمال القمة، من بينها (23) دولة قدَّمت طلبات رسمية للانضمام للمجموعة، فيما أبدت مجموعة من الدول اهتمامًا بالعضوية، وحضر رؤساء وممثلون عن أكثر من (40) دولة ممن وُجِّهَت لهم الدعوة، وممثلون عن حوالي (20) منظمة دولية وقارية وإقليمية، في مقدمتها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

وكان جدول أعمال هذه القمة، قد تضمَّن موضوعات من الأهمية بمكان، بما يجعل هذه القمة من أهم قمم المجموعة؛ فقد احتلَّ توسيع عضوية بريكس وقبول أعضاء جدد، صدارة جدول أعمالها، بالإضافة إلى تعزيز استخدام العملات الوطنية لدول المجموعة في تعاملاتها التجارية البينية، وتدشين آليات للمدفوعات المشتركة، مع مرونة مناقشة أي موضوعات مهمة قد يطرحها القادة.

وقد انتهت أعمال القمة بإعلان بيان ختامي مشترك، تضمن عدة قرارات وتوصيات، كان أهمها قبول طلبات عضوية (6) دول، ودعوتهم للانضمام للمجموعة من الأول من يناير 2024م، وهي بداية الرئاسة الدورية لروسيا للمجموعة، على أن تُعقد القمة الـ(16) العام القادم في مدينة “كازان” Kazan الروسية.

وبما أن القمة عُقدت تحت شعار مخصَّص لإفريقيا، فقد تضمن البيان الختامي العديد من القضايا المهمة التي تمسّ الشأن الإفريقي، وتحاول هذه الورقة تحليل مُخرجات قمة بريكس الـ(15)، بالتركيز على ما يخص القضايا الإفريقية، للوقوف على ما إذا كانت الحلول التي طرحتها وتبنّتها بريكس، تُحقِّق طموحات الأفارقة من عدمه.

 

بريكس.. وما أدراك ما البريكس؟

في إيجاز يمكننا القول بأن بريكس تكتل اقتصادي، تأسس عام 2009م بين أربع دول، هي: روسيا والصين والهند والبرازيل، وانضمت إليه خامستهم جنوب إفريقيا عام 2010م، ومن حينها اقتصرت عضوية المجموعة على هذه الدول الخمس، ويمثل قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة بريكس الخمس مجتمعة، -قبل أن تنضم إليها الدول الست الجديدة- حوالي  23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويمثل تعداد سكانها حوالي 42% من سكان العالم، وتستحوذ على أكثر من 16% من التجارة العالمية، وتنتج نحو 35% من الغذاء في العالم، ومع انضمام الدول الست الجديدة إلى بريكس، وهي: السعودية وإيران والإمارات من آسيا، والأرجنتين من أمريكا الجنوبية، ومصر وإثيوبيا من إفريقيا؛ من المؤكد أن هذه المعدلات سوف تتصاعد، بما يجعل المجموعة المنافس الأقوى لمجموعة الدول الصناعية السبع([1]).

وعلى مستوى المؤسسات المالية، أسَّست مجموعة بريكس “بنك التنمية الجديد” New Development Bank، ويشارك فيه دول من خارج المجموعة، هي: بنجلاديش والإمارات العربية المتحدة وأوروجواي ومصر، ويعمل البنك على تمويل مشاريع البنية التحتية، والتنمية المستدامة، في دول البريكس والبلدان النامية، وقد موَّل البنك منذ إنشائه عام 2014م أكثر من (90) مشروعًا بإجمالي (32) مليار دولار، لدعم مجالات مثل: النقل، وإمدادات المياه، والطاقة النظيفة، والبنية التحتية الرقمية والاجتماعية([2]).

 

القضايا الإفريقية في بيان بريكس الختامي([3]):

تضمن البيان الختامي لقمة بريكس الـ(15)، نوعين من القضايا المؤثرة على الشأن الإفريقي:

أولاً: قضايا عامة غير مباشرة

وتلك هي القضايا العامة، التي تنعكس معالجتها على إفريقيا، بطريقة غير مباشرة، باعتبارها جزءًا من النظام الدولي؛ وأهمها:

1- الالتزام بالتعددية الشاملة ودعم القانون الدولي، بما في ذلك مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة، باعتبارها حجر الزاوية الذي لا غِنَى عنه، لبناء نظام دولي تتعاون فيه الدول ذات السيادة، على أساس روح التضامن، والاحترام المتبادل، والعدالة، والمساواة؛ بهدف تحقيق السلم والأمن، والتنمية، وتعزيز وحماية الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع.

2- منع استخدام التدابير القسرية الانفرادية (العقوبات)، التي تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتؤدي إلى تأثيرات سلبية، لا سيما في العالم النامي، وذلك عبر تحسين الحوكمة العالمية، ضمن نظام دولي متعدد الأطراف، يتسم بالمرونة، والفعالية، والكفاءة، والديمقراطية، والخضوع للمساءلة.

3- زيادة تمثيل الأسواق الناشئة والبلدان النامية، في المنظمات الدولية، والمنتديات المتعددة الأطراف، التي تلعب فيها هذه الأسواق دورًا مُهمًّا.

4- الدعوة إلى إجراء إصلاح شامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، بهدف جعله أكثر ديمقراطية، وتمثيلًا وفعالية، وكفاءة، وزيادة تمثيل البلدان النامية في عضويته، حتى يتمكَّن من الاستجابة بشكل مناسب للتحديات التي تواجهها.

5- دعم نظام تجاري دولي متعدد الأطراف، عادل، وشامل، ومُنْصِف، ومفتوح، وشفّاف، ويمكن التنبؤ به، وغير تمييزي، يستند إلى قواعد منظمة التجارة العالمية، مع المعاملة التفضيلية للبلدان النامية، والأقل نموًّا.

6- تسوية الصراعات المستمرة، في أجزاء كثيرة من العالم، عن طريق الحل السلمي للخلافات والنزاعات، من خلال الحوار والمشاورات الشاملة، بطريقة منسَّقة وتعاونية، وبالجملة دعم كل الجهود التي تؤدي إلى التسوية السلمية للأزمات.

7- نزع وحظر إنتاج وتكديس وانتشار الأسلحة التقليدية والمتطورة، وعدم تسليح الفضاء.

8- دعم جهود وضع اتفاقية دولية شاملة، بشأن مكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، للأغراض الإرهابية والإجرامية.

9- مكافحة الفساد من خلال بناء القدرات، بما في ذلك إجراء برامج تدريبية، وتبادل أفضل الممارسات المطبقة.

10- معالجة أجندة الديون الدولية، بشكل شامل وصحيح، من أجل دعم التعافي الاقتصادي، والتنمية المستدامة، مع أخذ القوانين والإجراءات الداخلية لكل دولة في الاعتبار.

11- العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفقًا لخطة 2030م، بأبعادها الثلاثة: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بطريقة متوازنة ومتكاملة؛ من خلال حشد الوسائل اللازمة، وحثّ البلدان المانحة على الوفاء بالتزاماتها، المتعلقة بالمساعدة الإنمائية الرسمية “ODA”، وتسهيل بناء القدرات، ونقل التكنولوجيا، وموارد التنمية الأخرى، إلى البلدان النامية، بما يتماشى أهدافها وسياساتها الوطنية.

12- تطوير القطاع الصحي، والوقاية من الأوبئة العالمية، والتأهب والاستجابة لها، وتعزيز قدرات الدول على مكافحة أي جوائح من هذا القبيل في المستقبل، ودعم مركز أبحاث وتطوير اللقاحات الافتراضي لمجموعة بريكس.

13- التعاون في مجال إدارة الكوارث، بالتركيز على تدابير الحد من مخاطرها، من أجل بناء مجتمعات قادرة على الصمود، عبر تبادل المعلومات حول أفضل الممارسات، وتحسين الاستثمارات في أنظمة الإنذار المبكر، والبنية التحتية المقاومة للكوارث، وتعزيز قدرات أنظمة الطوارئ الوطنية.

14- التوافق على وضع المبادئ والمعايير والإجراءات التوجيهية، لعملية توسيع عضوية بريكس، مع تكليف وزراء الخارجية بمواصلة تطوير نموذج الدولة الشريكة لمجموعة البريكس، وقائمة بالدول الشريكة المحتملة، وتقديم تقرير عنها بحلول القمة القادمة.

 

ثانيًا: قضايا إفريقية خاصة مباشرة

وتلك هي القضايا المعينة تحديدًا، وبصورة خاصة في إفريقيا، أو القضايا شائعة الانتشار في القارة، والتي لها تأثيرات سلبية مباشرة، وأهمها:

1- دعت بريكس إلى معالجة التحديات الإقليمية، وتعزيز بناء السلام، والأمن، وإعادة الإعمار والتنمية بعد انتهاء الصراعات، ودعت إلى استخدام الوسائل الدبلوماسية، مثل: الحوار والمفاوضات والمشاورات والوساطة والمساعي الحميدة، لتسوية المنازعات والصراعات، على أساس الاحترام المتبادل، وتوازن المصالح المشروعة، والتأكيد على أن مبدأ “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”، ينبغي أن يظل بمثابة الأساس لحل الصراعات في القارة.

2- تسوية الصراعات في القارة، مع الاهتمام بقضايا الحرب في السودان، والوضع في النيجر، والتسوية السياسية في ليبيا، بما يضمن استقلالها، وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتوصل إلى حلّ سياسي دائم ومقبول من الطرفين، لمسألة الصحراء الغربية، وفقًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

3- مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، بما في ذلك حركة الإرهابيين عبر الحدود، وشبكات تمويل الإرهاب، والملاذات الآمنة، مع التأكيد على عدم ربط الإرهاب بأيّ دين، أو جنسية أو حضارة أو مجموعة عرقية، مع اتباع نهج شامل ومتوازن من جانب المجتمع الدولي برُمّته، لكبح الأنشطة الإرهابية بشكل فعَّال، ورفض المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب، والتطرف المُفْضِي إلى الإرهاب، والإسراع في وضع الصيغة النهائية للاتفاقية الشاملة بشأن الإرهاب الدولي، واعتمادها في إطار الأمم المتحدة، ودعم فريق بريكس المَعْنيّ بمكافحة الإرهاب، ومجموعاته الفرعية الخمسة، والمستندة جميعًا إلى استراتيجية بريكس لمكافحة الإرهاب، وخطة عمل بريكس لمكافحة الإرهاب.

4- دعم جهود إفريقيا لتحقيق التكامل الاقتصادي، عبر أجندة الاتحاد الإفريقي 2063م؛ من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وتعزيز الشراكة بين البريكس وإفريقيا؛ لفتح فرص تبادل المنفعة، وزيادة التجارة البينية، والاستثمار، وتطوير البنية التحتية، والتصنيع، والأمن الغذائي، وتحديث الزراعة، ومعالجة التغيرات المناخية، من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا.

5- تعزيز التعاون بين بريكس وإفريقيا، بما يدعم انخراط إفريقيا في صميم النظام التجاري العالمي، وعدم بقائها على هامشه، وذلك عبر تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية “AfCFTA”، للخروج بإفريقيا من دورها التاريخي، الذي رسمه لها الغرب، كمصدر للمواد الخام.

6- دعم بريكس لإدراج الاتحاد الإفريقي كعضو في مجموعة العشرين، وهو القرار المقرَّر مناقشته في قمة مجموعة العشرين القادمة، والتي سنتعقد تحت شعار “أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد”، في نيودلهي سبتمبر 2023م.

7- تشجيع الاستثمارات في البنية التحتية، والتنمية البشرية والاجتماعية والبيئية، والعمل على الاستفادة من الموارد المحدودة للحكومات، والعمل على تحفيز رأس المال الخاص والخبرة والكفاءة، لسد فجوة الاستثمار في البنية التحتية.

8- التصدي للتحديات التي تفرضها التغيرات المناخية، مع ضمان الانتقال العادل، والميسور التكلفة، والمستدام إلى اقتصاد منخفض الكربون ومنخفض الانبعاثات، في ضوء الظروف الوطنية المختلفة، وعلى أساس الأولويات الوطنية للتنمية، ودعوة البلدان المتقدمة إلى أن تكون مثالًا يُحتَذَى، وأن تدعم البلدان النامية في تحقيق مثل هذه التحولات، عبر الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك تعبئة مبلغ 100 مليار دولار أمريكي سنويًّا، من عام 2020م وحتى عام 2025م، لدعم العمل المناخي في البلدان النامية.

 

 مخرجات قمة بريكس الـ(15) تداعب النزعة التحررية لدي الدول الإفريقية:

تمثل حزمة السياسات التي اقترحتها وتبنّتها قمة بريكس الـ(15) في بيانها الختامي، عناصر جذب قوية بالنسبة للأفارقة، في الوقت الذي استشرت فيه نزعة تحررية في القارة، تهدف -فيما يُعلنه حاملو لوائها- إلى نزع ربقة الهيمنة الاقتصادية الغربية من أعناق الدول الإفريقية، بعد ما استُنزفت مقدرات شعوبها لقرون.

وقد أتاحت التغييرات التي تجري حاليًّا على النظام الدولي، هامشًا واسعًا للمناورة، شجَّع الأجيال الجديدة من النخب السياسية الإفريقية، على إعلان رفضها لسياسات الهيمنة والاستحواذ، بل والسعي نحو الانعتاق منها، عبر التخلُّص من الجيل القديم من النُّخَب السياسية، عملاء الغرب أو الدائرين في فَلكه، وهو ما حدث بالفعل في منطقة الساحل وإقليم غرب إفريقيا؛ حيث قطت إفريقيا الوسطي تعاونها وعلاقاتها مع فرنسا المستعمر التقليدي، وفعلت مالي الأمر نفسه مع اختلاف في التفاصيل، وعلى خطاها سارت بوركينا فاسو، وها هي النيجر تحذو حذو هؤلاء، والأمر مرشَّح لزيادة انتشار هذه النزعة التحررية.

وبحسب القادة الجدد في هذه الدول، فإن طول البقاء تحت عباءة الغرب، قد استنزف موارد بلدانهم، وجلب لها عدم الاستقرار، والإرهاب، والجريمة المنظمة، بل إن قوات غربية بدأت بالتسلل إلى فضاءات بلدانهم، تحت ستار مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، في عودة مُقنّعة للاستعمار التقليدي، من أجل حماية المصالح الاستعمارية، لا من أجل حماية الشعوب، من مخاطر الإرهاب والجريمة المنظّمة، في ظل مؤشرات قوية تنبئ بأن مُدبّري هذه الظواهر هم الغرب أنفسهم؛ لضمان شرعية بقائهم في البلدان الإفريقية.

ومن نافلة القول: التنبيه على أن صدق الأنظمة الحاكمة الإفريقية الجديدة، وصحة وإخلاص نواياها في التخلص من هيمنة الغرب، يبقي محل اختبار، ذلك بأن ما أعلنوه، يَحتمِل أن يكون المقصود منه، إكسابهم شرعية أكبر وأسرع لدى شعوبهم الحانقة على الغرب، كما يَحتمِل أن يكون المقصود، منه توسيع هامش المناورة أمامهم، للضغط على الغرب لتحقيق مكاسب ما في قضايا ما، كما يَحتمل أن يجمع بين هذه النوايا جميعا، كلها أو بعضها.

وعلى كلٍّ تُعدّ البيئة الإفريقية، في ظل الظروف الدولية الراهنة، أكثر استعدادًا لتقبُّل طروحات بريكس، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، ومع ذلك لا يبدو الأمر بهذه السهولة، فالمناورة بين متصارعين مثل المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، تنطوي على مخاطر جمَّة، تدعو سالكيها لاتخاذ الكثير من التدابير الوقائية، والتعامل مع الطرفين بحذر، ودون اندفاع، وإلا فالخسائر والتكاليف، قد تفوق المنافع والأرباح بكثير.

 

خاتمة:

على الرغم مِن قبول عضوية دولتين إفريقيتين فقط من بين الدول الإفريقية، التي كانت قد تقدمت رسميًّا بطلبات للانضمام إلى بريكس؛ إلا أن البيان الختامي قد بعث برسائل طمأنة، لكل الدول الراغبة في الانضمام إلى هذا التكتل، بما فيها الدول الإفريقية، عبر إعلان التوافق على توسيع العضوية مستقبلًا، مع تكليف وزراء الخارجية بوضع معايير وشروط الانضمام، وتحديد الدُّوَل المُؤهَّلة للانضمام وفق هذه المعايير والشروط، في وقتٍ لا يتجاوز موعد حلول القمة المقبلة، أيّ قبل أقل من عام.

وبتدقيق النظر في بنود البيان الختامي، التي فاقت الـ(90) بندًا، والتي فصَّلنا أهمّها أعلاه؛ نجد أن الدول الإفريقية تفيد من مخرجات هذه القمة، بطريقة غير مباشرة، باعتبارها من الدول النامية، والأقل نموًّا، وذلك فيما يتعلق بإصلاح الأمم المتحدة، وتحقيق مقاصدها، وعلاج ما أحدثته الأحادية القطبية من خلل في النظام الدولي، وذلك على أساس روح التضامن، والاحترام المتبادل، والعدالة، والمساواة، كما تفيد أيضًا من إصلاح النظام التجاري العالمي، ومن تسوية الصراعات بالطرق السلمية، ومن حظر إنتاج وتكديس وانتشار الأسلحة، ومن تطوير آليات ووسائل مكافحة الفساد، ومن المعالجة الشاملة لأجندة الديون الدولية، ومن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن تطوير خطط إدارة الكوارث، وبرامج الاستجابة لها، ومن النهوض بالقطاع الصحي العالمي، وبخاصة في مجال الوقاية من الأوبئة، وغير ذلك من الطروحات والحلول العامة التي تبناها البيان الختامي.

ومن جهة أخري تفيد إفريقيا، بطريقة مباشرة، من الطروحات والحلول التي تناولت قضايا إفريقية خالصة، أو قضايا مما يشيع وجودها وترسخها في البيئة الإفريقية، وذلك عبر ترسيخ وتفعيل مبدأ حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية، ومن أبرز هذه المشكلات: الحرب السودانية، والصراع الليبي، والأزمة النيجرية، والمعضلة الصحراوية، وبالجملة العمل على بناء السلام والأمن، وإعادة الإعمار والتنمية، بعد انتهاء الصراعات، وتحقيق التكامل الاقتصادي القاري، عبر أجندة الاتحاد الإفريقي 2063م، ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، عبر استراتيجية البريكس لمكافحة الإرهاب، والتصدي للتحديات التي تفرضها التغيرات المناخية، وتشجيع الاستثمارات في البنية التحتية، والتنمية البشرية والاجتماعية والبيئية، ودعم إدراج الاتحاد الإفريقي كعضو في مجموعة العشرين.

وهكذا يتضح أن إفريقيا، سواءٌ بطريقة مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة، استأثرت بالجانب الأكبر من مخرجات قمة بريكس الخامسة عشرة، وأن مخرجات هذه القمة، لو صدقت فيها النوايا، ووجدت سبيلها إلى حيّز التنفيذ، لحقَّقت جُلّ إنْ لم يكن كلّ طموحات الأفارقة، وأنَّ هذه المخرجات تُعدّ بمثابة فرصة سانحة، لتصحيح أخطاء الماضي، ورفع مظالم الاستعمار، فيما لو أحسن الأفارقة التعاطي مع النظام الدولي الجديد المرتقب، والمناورة الآمنة فيه.

د. سعيد ندا / أكاديمي مصري

المصدر: مجلة قراءات إفريقية

المراجع

([1]) موقع سبوتنك، “بريكس 2023… أهم المعلومات عن الدول المشاركة والضيوف وجدول الأعمال”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 26 أغسطس 2023م الساعة 1:05م، على الرابط: https://tinyurl.com/5n8esn5j

– موقع الجزيرة، “قمة بريكس تنطلق غدًا بجنوب إفريقيا واحتمالية لتوسيع عضويتها”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 26 أغسطس 2023م الساعة 1:10م، على الرابط: https://tinyurl.com/tnk59cn2

([2]) موقع الجزيرة، “توقعات بانضمام 20 دولة جديدة.. هل تقدم مجموعة البريكس بديلًا للتكتلات الغربية؟”، تحققت آخر زيارة بتاريخ 26 أغسطس 2023م الساعة 1:15م، على الرابط: https://tinyurl.com/ypaw3mn5

([3]) South African Republic, XV BRICS Summit, Johannesburg II Declaration, BRICS and Africa: Partnership for Mutually Accelerated Growth, Sustainable Development and Inclusive Multilateralism, Wednesday 23 August 2023, Pp. 1-26.

spot_img