يوم 25 أيار (مايو) 1958، وتحت خيمة من الشَّعَر عقد أول اجتماع لأول حكومة موريتانية على الأراضي الموريتانية في منطقة نواكشوط، التي ستصبح عاصمة البلد رسميًا في 4 يوليو 1958، وكان عدد سكانها يتراوح بين 200 إلى 300 شخص. يصف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه منطقة نواكشوط في مذكراته قائلًا إنها مجرد ” كثيب في مكان لا يوجد فيه إذ ذاك غير شجيرات هزيلة طمرت الرمال أجزاءها السفلى”. قبل الدولة الحديثة عرفت موريتانيا بأنها بوابة الثقافة العربية الإسلامية إلى غرب إفريقيا، وبأنها بادية عالمة، ولذلك افتخر المختار ولد بونا (توفي 1810م) بأنهم جعلوا ظهور النوق التي يتنقلون عليها في باديتهم أماكن للتدريس ونشر العلم فقال:
ونحن ركب من الأشراف منتظم ….. أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العـيس مدرسـة ….. بـهـا نبـيـن ديـن الله تبيــــــانـــا.
الأسماء المتغيّرة
بلاد انبية: وربما هو أقدم اسم للبلاد، وأول من ذكره الجغرافي العراقي الفزاري، كما ذكر في كتاب البلدان للهمداني، وفتوح البلدان للبلاذري.
بلاد المرابطين، نسبة إلى دولة المرابطين التي تأسست في موريتانيا، قبل أن تمتد إلى المغرب والأندلس. وربما يكون الزهري أقدم من استعمل هذه التسمية في كتاب الجغرافية.
بلاد التكرور: ويعود أصله إلى إمارة قرب مصب نهر السنغال دخلها الإسلام مبكرًا، وعاصر أحد ملوكها نشأة دولة المرابطين. ومن أقدم المصادر التي توسّعت في دلالة بلاد التكرور البرتلي في كتاب فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور.
بلاد البيضان، وهي تسمية متأخرة شاعت لدى الأوروبيين، كما نجدها أيضًا عند بعض العلماء الموريتانيين مثل: رسالة أخبار البلاد البيضانية لبابا بن الشيخ سيديا. مع أنّ وصف ساكنة الصحراء بالبيضان قديم، ورد عند البكري في المسالك والممالك.
بلاد شنقيط وهو في الأصل اسم مدينة في شمال موريتانيا، تم التوسّع فيه ليدلّ على الإقليم كله. ويفهم من كلام سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم في صحيحة النقل أنّ الإسم عرف في المشرق العربي أولًا.
بلاد المغافرة، وإذا كان اسم شنقيط ظهر في المشرق فإنّ تسمية بلاد المغافرة اشتهرت في المغرب الأقصى، وأطلقت على العديد من علماء هذه المنطقة، كما يذكر ددود ولد عبد الله في كتاب الحركة الفكرية في بلاد شنقيط.
صحراء الملثمين: وهي تسمية حديثة، وما نجده في المصادر القديمة هو “صنهاجة اللثام”، وقد فصل في ذلك الناني ولد الحسين في كتابه “صحراء الملثمين: دراسة لتاريخ موريتانيا وتفاعلها مع محيطها الإقليمي خلال العصر الوسيط“.
الجمهورية الإسلامية
التسمية الحديثة تعود في أصلها إلى نهاية القرن 19، وقد ظهرت أول مرة في تقرير للإداري الفرنسي كزافييه كوبولاني. وأطلق عليها” موريتانيا الغربية”. أما موريتانيا بحدودها الدولية الحالية فترجع تسميتها إلى 1959 غداة صدور أول دستور للبلد.
تقع موريتانيا في أقصى الجنوب الغربي للعالم العربي، تحدّها 4 دول: من الشمال الشرقي والغربي الجزائر والمغرب، ومن الجنوب الغربي السنغال، ومن الجنوب والشرق مالي، ويحدّها من الغرب المحيط الأطلسي، تمتدّ مساحتها على أكثر من مليون كلم مربع. ويبلغ عدد السكان أكثر من 4 ملايين، غالبيتهم من الناطقين بالعربية، وأقلية ناطقة بلغات إفريقية. اللغة الرسمية هي العربية، بالإضافة إلى ثلاث لغات وطنية هي: البولارية والسونكية والولفية.
تملك موريتانيا ثروات معدنية كبيرة مثل: الحديد والذهب والنحاس والفوسفات، بالإضافة إلى واحد من أغنى الشواطئ في العالم، كما سيبدأ تصدير الغاز نهاية هذه السنة 2023، وفوق ذلك تمتلك مناطق شاسعة صالحة للزراعة وثروة حيوانية كبيرة.
استقلت موريتانيا عن المستعمر الفرنسي 1960. وتعاقب على موريتانيا منذ الاستقلال 10 رؤساء، أبرزهم: الرئيس المؤسس المختار ولد داداه ومحمد خونة ولد هيداله، ومعاوية ولد سيد احمد الطايع، وعلي ولد محمد فال، وسيدي ولد الشيخ عبد الله، ومحمد ولد عبد العزيز، والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني. ومرّ نظام الحكم في موريتانيا بثلاث مراحل: مرحلة حكم الحزب الواحد، الحكم العسكري، الحكم شبه الديمقراطي.
الهوية الثابتة
تتداخل في الهوية الموريتانية مجموعة من العناصر المؤثرة، ما يمكن تسميته مثلث الإنسان والمكان، فهي دولة عربية إفريقية مسلمة، تعود أصول أغلب سكانها إلى ثلاثة أعراق رئيسية هي: العرب والأفارقة والأمازيغ. والثابت الذي تنصهر فيه هذه العناصر جميعًا هو الإسلام، واللسان الرسمي العربي. من المؤكد أنّ الإسلام دخل موريتانيا في بداية القرن الهجري الأول، ولكنها لم تتعرّب دفعة واحدة، بل تعربت على مراحل، ولم يتحقّق ذلك فعليًا إلا في القرن 15م، نتيجة هجرة القبائل الحسانية المعقلية.
مع نهاية القرن 11هـ بدأت المعارف العربية الإسلامية تنتشر بقوة بين سكان المنطقة، ولم يكد القرن 13هـ ينتصف حتى عمت البلاد، بل يمكن القول إنه في فترة الانحطاط كانت موريتانيا تعيش نهضة. ورغم أن أقدم مؤلف في هذه البلاد الإمام الحضرمي صاحب كتاب الإشارة في تدبير الإمارة، عاش في القرن 5هـ، فإنّ البلاد لم تشهد طفرة ثقافية حقيقية إلا ابتداءً من القرن 11هـ. حتى أننا لا نكاد نجد قصيدة ناضجة قبل ذلك القرن، كما يظهر من كتاب الشعر العربي الفصيح في بلاد شنقيط مبحث في النشأة والأصول، لعبد الله ولد بن أحميده، ولكن الأمر تغيّر في أقلّ من قرنين كما يتضح من كتاب أحمد ولد الحسن الشعر الشنقيطي في القرن 13 مساهمة في وصف الأساليب.
وانتشرت الثقافة العربية الإسلامية داخل موريتانيا، انطلاقًا من: ولاتة وتشيت وشنقيط ووادان، وهي مدن تاريخية تناولها أحمد مولود ولد أيده الهلال بتوسع في كتابه مدن موريتانيا العتيقة. ومنها تدفق العلم في البوادي عن طريق “المحاضر” وهي: مؤسسات تعلمية متنقلة، تدرس كل العلوم العربية والإسلامية، بما في ذلك المنطق وعلم الكلام والحساب والتاريخ والجغرافيا.
كان الموريتانيون شبه معزولين في الصحراء ولم يتعرّف عليهم العالم العربي الإسلامي إلا من خلال رحلات الحجاج أو بعض العلماء والأدباء الذين استقر بهم المقام في المشرق. فاندهش الناس من سعة اطلاعهم وتمكّنهم من الثقافة العربية الإسلامية، وقد كان لبعضهم مشاركة معتبرة في النهضة الأدبية العربية الحديثة، وقد فصل في ذلك الكتاب الجماعي إسهام علماء الشناقطة في الحركة الأدبية العربية. ولعل أول مؤلف موريتاني يطبع هو السبك العجيب في معاني حروف مغني اللبيب لمحمد الأغظف بن أحمد مولود الولاتي سنة 1907م، ثم تلاه: فتح الودود على مراقي السعود لمحمد يحيى الولاتي 1909م، فكتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط لأحمد الأمين طبع سنة 1911م. وربما يكون أول من كتب عن موريتانيا الحديثة هو الأديب والصحفي يوسف مقلد في كتابيه، موريتانيا الحديثة وشعراء موريتانيا القدماء والمحدثون، بين 1960 و1962. ثم طه الحاجري في مقاله شنقيط أو موريتانيا: حلقة مجهولة في تاريخ الأدب العربي. وبعد استطلاع لمجلة العربي 1967 تحت عنوان ” نواكشوط ” أحدث عاصمة في أقصى منطقة من وطننا الكبير، أطلق سليم زبال على موريتانيا بلد المليون شاعر، وهو لقب أصبح شائعًا لاحقًا، ورغم أنه لا يخلو من مبالغة، فإن له ما يبرره، فأغلب الموريتانيين يقرضون الشعر أو يحفظونه أو يتذوقونه.
يثير محمد سعيد بن أحمدو في كتابه موريتانيا بين الانتماء العربي والتوجه الإفريقي، سؤال الهوية السياسية لموريتانيا والعوامل المؤثرة فيها، وبغض النظر عن الذي يستدعيه ذلك السؤال من النقاش، فرغم كل الجهود التي بذلها المحتل الفرنسي حافظ الشعب الموريتاني على العناصر الثابتة في هويته وهي: الإسلام عقيدةً والعربية لسانًا وإفريقيا موطنًا. ومع الإقرار بوجود كتلة فرانكوفونية قوية فإن أغلب الإنتاج الثقافي والفكري في موريتانيا باللغة العربية.
د. سيدينا سيداتي / أكاديمي موريتاني