خلافا لما توحي به الأوضاع المأساوية الحالية في قطاع غزة الذي يتعرض سكانه للإبادة بدم بارد، على مرأى ومسمع من منتظم دولي عاجز عن وقف تطهير عرقي “على الهواء”، هناك اليوم فرصة حقيقية لقيام الدولة الفلسطينية المنشودة ؛ فشجاعة ورثة “داوود”، عليه السلام، الفلسطينيين، في وجه غطرسة “جالوت” الإسرائيلي المحتل، فجرت أزمة ثقة أخلاقية وسياسية في شوارع كبريات المدن وداخل الجامعات الغربية، من استوكهولم إلى مادريد، مرورا بلندن، ومن واشنطن إلى روما، مرورا بباريس ؛ ولا أدل على ذلك من التصريحات غير المألوفة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما و، قبل ذلك، إصرار الوزير الأول الفرنسي الأسبق دومينيك دفلبينه على الدفاع عن وجهة النظر الديگولية حول الشرق الأوسط، وقوة الطرح لدى الوزيرة الإسبانية ايون بيلارا، كممثلة لليسار الأوروبي المتحرر، والموقف المعلن لأشهر مدافعة عن البيئة عالميا السويدية گريتا تونبرغ وشعارات طلاب “هارفارد” العريقة، إضافة إلى “التذبذب” الملاحظ مؤخرا في الخطوط التحريرية لبعض وسائل الإعلام المهيمنة غربيا (تغريدات إيلون ماسك على شبكته، “إكس”).
فإذا كانت إسرائيل، تحظى، لأسباب تاريخية وثقافية، بدعم شبه-عام داخل النخب السياسية والإعلامية والاقتصادية الغربية، فإن عدالة القضية الفلسطينية وصمود أصحابها البطولي، يجعل من الرأي العام الغربي حليفا “طبيعيا” لهذه القضية، ؛ فالحس الأخلاقي والضمير “الحي” لدى طيف واسع من هذا الرأي العام، يبرران ذلك ؛ كما يمكن فهم هذه الظاهرة انطلاقا من قاعدة : “صديق العدو، عدو”…
وأمام اختلال التوازن الكبير فيما يتعلق بكمية وفتك الأسلحة، في فلسطين ومن حولها، فإن الحليف الأكثر فعالية للقضية الفلسطينية اليوم، بعد الفلسطينيين أنفسهم، قد يكون الشارع الغربي الذي يستطيع بسهولة تعديل مواقف جل النخب السياسية، لاعتبارات انتخابية وسلطوية.
وتعظيما لحظوظ دعمهم من طرف الرأي العام الغربي، على الفلسطينيين أن يعتمدوا مقاربة ديمقراطية مركبة، بتوحيد صفوفهم داخل الإطار التاريخي لتضحيات أجيالهم المتلاحقة (منظمة التحرير الفلسطينية)، منذ نكبة 1948، على أن تمثل “فتح” الذراع السياسي لهذا الإطار، و”حماس” جناحه العسكري، والفصائل الأخرى ملامح تنوعه المرجعي ؛ فالمتظاهرون، بالملايين، في الشوارع الغربية وداخل الجامعات، رفعوا العلم الفلسطيني، حصريا…
“فلسطين تجمعنا”