وجه رئيس حزب الإنصاف دعوة إلى نواب حزبه لحضور حفل عشاء سينظمه على شرفهم مساء الأحد الموافق 18 يونيو 2023، أي ساعات قبل أول جلسة للبرلمان الجديد، وبمناسبة حفل العشاء هذا فإني أتقدم من جديد إلى رئيس الحزب ونواب الحزب بمقترح كنتُ قد قدمته في وقت سابق للجنة إصلاح الحزب.
بدءا هناك أسئلة سنطرحها من قبل عرض المقترح، وسنحاول من خلال هذه الأسئلة أن نفتح شهية رئيس الحزب ونواب الحزب لتناول هذا المقترح مع ما سيتناولون مما لذ وطاب من طعام وشراب على مائدة العشاء المنتظر.
هل من الأولى بالنائب في حزب الإنصاف أن يدافع في البرلمان عن الحكومة أم عن المواطن الذي انتخبه في حالة ما إذا كان هناك بعض التقصير الملاحظ في الأداء الحكومي؟
هل إذا تجاهل كل نواب حزب الإنصاف “تقصيرا ما” في عمل الحكومة، فهل سيعني ذلك أن هذا التقصير سيبقى محجوبا عن المواطن، وأن بقية النواب ـ وخاصة نواب المعارضة ـ سيتجاهلون ذلك التقصير، أم أنهم سيسارعون إلى كشفه وربما يبالغون في تضخيمه؟
ألن يُبثَّ نقد نواب المعارضة للحكومة في قناة البرلمانية، وبكل اللغات الوطنية، مما يعني أن الفرصة ستتاح لكل مواطن موريتاني لأن يسمع ذلك النقد المعارض، والذي ربما يكون مبالغا فيه؟
فبأي منطق بعد هذا يستمر صمت نواب الإنصاف وتجاهلهم للتقصير في الأداء الحكومي؟ ألم يحن الوقت للاستفادة مما قالت العرب قديما : “بيدي لا بيد عمرو”؟ ألم يحن الوقت لأن يرفع نواب الإنصاف شعار: “بلساني الناعم لا باللسان الحاد للنائب المعارض”؟
لقد استفاد نواب المعارضة إعلاميا وسياسيا من تجاهل نواب الأغلبية للتقصير في الأداء الحكومي، بل والدفاع في الكثير من الأحيان عن ذلك التقصير ومحاولة تبريره. هذا التجاهل أعطى الفرصة لنواب المعارضة لأن يظهروا دائما في مظهر المدافعين عن المواطن في البرلمان، والمتحدثين عن همومه، وفي كثير من الأحيان لا يكون حديث نواب المعارضة عن التقصير في الأداء الحكومي من أجل تصحيح ذلك التقصير، وإنما من أجل إظهار عجز الحكومة وتعرية النظام الحاكم، وبالتالي كسب المزيد من النقاط السياسية، وهذا حق سياسي للمعارضة عليها أن تستغله، ولا يمكن أن تلام إن هي استغلته. ما أردتُ لفتَ الانتباه إليه هنا هو أن هناك فرقا كبيرا بين الحديث عن خلل ما في العمل الحكومي من أجل تصحيحه (وهذا ما يجب على نواب حزب الإنصاف أن يقوموا به)، والحديث عن ذلك الخلل من أجل كشف العجز الحكومي وتعرية النظام وتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية، لا أقل ولا أكثر، وهذا ما يقوم به العديد من نواب المعارضة. لا يعني هذا الكلام أن كل نواب المعارضة لا يتحدثون عن التقصير في الأداء الحكومي من أجل تصحيحه، فهناك نواب في المعارضة يتحدثون عن ذلك الخلل من أجل تصحيحه، ويسعون بالفعل إلى ذلك، ولكن في المقابل هناك نواب آخرون في المعارضة يتحدثون عن ذلك الخلل لا من أجل تصحيحه، وإنما فقط من أجل كسب نقاط سياسية وإعلامية.
من هنا على حزب الإنصاف ونوابه أن يدركوا أن أساليب العمل التقليدي للأحزاب الحاكمة التي كانت تصلح للعقود الماضية لم تعد تصلح في أيامنا هذه، ولذا فقد أصبح من الضروري إحداث تغييرات جوهرية في أساليب عمل الحزب، وخصوصا في أساليب عمل فريقه البرلماني..
وعلى حزب الإنصاف ونوابه أن يعلموا بأنه لا توجد حكومة في هذا العالم بلا أخطاء، وبلا أوجه تقصير، ويتأكد الأمر بالنسبة للحكومات في دول العالم الثالث كما هو الحال بالنسبة لبلدنا.
إن التقصير في الأداء الحكومي موجود تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، والحديث عن ذلك التقصير لن يتوقف لا داخل البرلمان ولا خارجه وتلك حقيقة ثانية لا يمكن تجاهلها. فما دام التقصير موجودا، وما دام الحديث عنه لن يتوقف بأي حال من الأحوال، فلماذا لا يأخذ نواب حزب الإنصاف زمام المبادرة ويتحدثون عن ذلك التقصير لا من أجل إظهار ضعف الأداء الحكومي كما يفعل بعض نواب المعارضة، وإنما من أجل تصحيح أوجه ذلك التقصير، وهناك فرق كبير بين أن تتحدث عن خلل ما من أجل تصحيحه، وأن تتحدث عن ذلك الخلل من أجل كشف عيوب المسؤول عنه، وإظهار عجزه للرأي العام.
إن الفريق البرلماني لحزب الإنصاف ( وما ينطبق على هذا الفريق ينطبق على كل الفرق البرلمانية المحسوبة على الأغلبية) بحاجة إلى أن يغير أسلوبه في التعامل مع الحكومة داخل البرلمان، وأن يعتمد في هذه الإنابة الجديدة على أسلوب جديد في التعامل معها يقوم على المرتكزات التالية:
1 ـ أن الفريق البرلماني لحزب الإنصاف أولى من غيره بكشف أوجه التقصير في الأداء الحكومي والحديث عن ذلك التقصير بالطرق والأساليب التي يمكن أن تساهم في معالجة ذلك التقصير، وهو إن تقاعس عن ذلك الدور، فإنه سيعطي فرصة ثمينة لنواب المعارضة للحديث عن ذلك التقصير، وربما المبالغة في الحديث عنه سعيا لتسجيل المزيد من المكاسب السياسية والإعلامية؛
2 ـ إن الحديث عن أوجه التقصير في الأداء الحكومي، والبحث عن حلول لذلك التقصير ستمنح نواب حزب الإنصاف مصداقية لدى المواطن هم في أمس الحاجة إليها؛
3 ـ من جهة أخرى فإن تحقيق تلك المصداقية هو ما سيمكن نواب حزب الإنصاف من تسويق إنجازات الحكومة للمواطن، وكثيرا ما يفشل نواب الحزب الحاكم ـ بل الأغلبية كلها ـ في تسويق تلك الإنجازات.
على حزب الإنصاف في عمومه، وعلى فريقه البرلماني بشكل خاص أن يعلم بأن النائب الذي لا يستطيع أن ينتقد خللا ما، لن يكون بمقدوره تسويق إنجاز ما.
إن تسويق الإنجازات والدفاع عن النظام يحتاج إلى المصداقية، والمصداقية لا يمكن أن يحصل عليها من يكرر على مسامع المواطنين بالغدو والآصال أن الحكومة لم ترتكب خطأ واحدا خلال أدائها لمهامها.
إن هذا النوع من النواب الذي يتحدث بهذه الطريقة الفاقدة للمصداقية، والتي لم تعد في زماننا هذا تقنع أحدا، لا يشكل فقط عبئا ثقيلا على الأنظمة الحاكمة، بل إنه زيادة على ذلك يشكل خطرا كبيرا على أرصدة تلك الأنظمة، وذلك لأنه يسحب من تلك الأرصدة ودون أن يضيف لها شيئا.
وتبقى همسة في أذن “النائب الإنصافي” : إذا خلوت بوزير فلا تحدثه فقط عن همومك الخاصة، ولا تجعل حديثك معه يبدأ بطلب وظيفة لأحد أفراد العائلة، وينتهي بطلب صفقة لك أو لأحد أقربائك.. لا تنس أن تتحدث معه عن هموم المواطن بصفة عامة، والمواطن في دائرتك الانتخابية بشكل خاص.
شهية طيبة للجميع..
حفظ الله موريتانيا…
محمد الأمين الفاضل / كاتب وناشط جمعوي