spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

مقاربات بديلة: المسيرات والمعضلة الأمنية في منطقة الساحل

مقدمة:

ابتليت منطقة الساحل في غرب إفريقيا بشبكة معقدة من التحديات الأمنية والسياسية على مدى العقد الماضي. فقد واجهت المنطقة العديد من التهديدات من قبيل التوترات العرقية والعنف الناجم عن العوامل البيئية وظهور الجماعات المتطرفة والإرهابية.

وعلى الرغم من جهود الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي ، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، لا تزال حركات التمرد في منطقة الساحل باقية وتتمدد.

في ضوء ذلك، يصبح استكشاف إمكانات المسيرات (الطائرات بدون طيار) كأداة لمكافحة التمرد أمرًا بالغ الأهمية. وقد حظي استخدام المسيرات في الحروب الحديثة باهتمام كبير، لا سيما بعد النجاح الملحوظ لهذا السلاح المميت في حرب التيغراي بين الحكومة الأثيوبية ومقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي.

نتيجة لذلك، تحول العديد من قادة دول غرب إفريقيا، الذين أنهكتهم الحرب الطاحنة في مواجهة لعنف المستمر في منطقة الساحل، إلى المسيرات كأحد الحلول المحتملة. ومع ذلك، فإن التجارب في منطقة الساحل ومناطق الصراع الأخرى تجعل المرء يفكر مليا في كافة الأبعاد والسياقات. يجب النظر بعناية في تعقيدات عمليات مكافحة التمرد، وتحديات تفسير بيانات المسيرات، والعواقب المحتملة غير المقصودة لنشرها. ونحاول في هذا المقال تسليط بعض الضوء حول العوامل التي دفعت باتجاه هذا التطور والتحديات المحتملة.

السياقات والاقتصاد السياسي للساحل:

يتسم الاقتصاد السياسي لمنطقة الساحل بالعديد من العوامل المترابطة التي ساهمت في صعود التمرد في المنطقة. أدت معدلات الفقر المرتفعة، والفرص الاقتصادية المحدودة، وضعف مؤسسات الدولة، والعوامل التاريخية إلى خلق بيئة  جاذبة لمصادر تجنيد الجماعات المسلحة وتعبئتها.

 بالإضافة إلى ذلك، أدى تأثير الاتجاهات الاقتصادية العالمية، مثل تغير المناخ، إلى تفاقم النزاعات، مما أدى إلى العنف البيئي والنزاعات القائمة على الموارد. ومن المعروف أنه بعد سقوط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي في عام 2012، انطلق المدججون بالسلاح من ليبيا وشنوا هجمات في مالي، والتي امتدت لاحقًا إلى دول أخرى في منطقة الساحل مثل بوركينا فاسو والنيجر ودول غرب إفريقيا الساحلية بما في ذلك ساحل العاج وتوغو وبنين. وقد أدى هذا التصعيد في العنف إلى ما يقدر بنحو 4.1 مليون لاجئ وطالب لجوء ونازح داخليًا، مما يجعل المنطقة تشهد واحدة من أشد الأزمات الإنسانية التي يتم تجاهلها في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن  كلا من مالي وبوركينا فاسو تأثرتا بشكل خاص بموجة العنف هذه، حيث انضمت جماعات العنف المسلح بشكل أساسي إلى القاعدة أو داعش.

خلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2022، أسهم الجيش الفرنسي بدور في احتواء الجماعات المتمردة. ومع ذلك، أدى عدم قدرته على هزيمة المسلحين تمامًا إلى تزايد الإحباط بين حكومات غرب إفريقيا، مما ترتب عليه خلافات دبلوماسية وزيادة المشاعر المعادية لفرنسا في جميع أنحاء المنطقة.

ومع تدهور العلاقات بين فرنسا ودول الساحل، انسحبت القوات الفرنسية تدريجياً من مالي وبوركينا فاسو، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الدعم من مجموعة فاغنر الروسية. ومع ذلك، فقد ثبت أن هذا النهج البديل غير فعال، حيث توجه اتهامات لكل من مالي وفاغنر بانتهاكات حقوق الإنسان.

 ومن جهة أخرى أدت الانقلابات العسكرية المتكررة في بوركينا فاسو ومالي، والتي نتجت، ولو جزئيا، عن الإحباط بسبب الفشل في معالجة التهديد المسلح، إلى تفاقم انعدام الأمن في المنطقة. ففي يونيو 2022 ، كشف وسيط للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أن 60 % فقط من أراضي بوركينا فاسو لا تزال تحت سيطرة الدولة، بينما أشار تقرير للأمم المتحدة نُشر في نفس الشهر إلى أن مالي تسيطر على ما لا يزيد عن 15 % فقط من أراضيها.

التحول نحو المسيرات:

بالنظر إلى الخبرة الأثيوبية، فليس من المستغرب أن قادة غرب إفريقيا يسعون الآن للحصول على طائرات بدون طيار لأغراضهم الأمنية. أصبحت بوركينا فاسو ، على سبيل المثال ، ثالث دولة في غرب إفريقيا تشتري طائرات بدون طيار تركية الصنع، وتحديداً بيرقدار تي بي 2، لدعم معركتها ضد الجماعات المسلحة.

وقد اكتسب طراز المسيرات هذا تقديرًا لفعاليته في حرب أوكرانيا، حيث كان له الفضل في تدمير الدبابات والأسلحة الروسية. ونظرا لأنها مجهزة بخصائص متقدمة مثل آلية الاستهداف بالليزر وأربعة صواريخ صغيرة موجهة بالليزر ، فإن طائرات بيرقدار تسطيع التحليق لفترات طيران ممتدة تصل إلى 27 ساعة ويمكن أن تصل إلى ارتفاعات تصل إلى 25 ألف قدم تقريبًا. وعليه في المناطق الشاسعة وذات الكثافة السكانية المنخفضة في الساحل، حيث تعد المراقبة مهمة شاقة، يمكن أن توفر قدرات الاستطلاع عالية التقنية للطائرات بدون طيار للحكومات الوطنية ميزة كبيرة في جمع المعلومات الاستخبارية عن خصومها.

بالإضافة إلى ذلك ، يتم تسعير تي بي 2 بشكل جذاب للمشترين من غرب إفريقيا، مما يجعلها خيارًا ميسور التكلفة مقارنة بطرازات المسيرات الأمريكية والإسرائيلية المماثلة. ويمكن أن نضيف إلى ذلك عددا من العوامل الدافعة نحو هذا الخيار في الحرب ضد الإرهاب في الساحل:

1) الأساس المنطقي لنشر المسيرات:

هناك عدة أسباب مقنعة للنظر في نشر طائرات بدون طيار في منطقة الساحل. أحد العوامل الرئيسية هو انتشار المسيرات بين الجهات الفاعلة غير الحكومية، مما يشكل مصدر قلق كبير. إن تزايد حيازة الجماعات المسلحة للطائرات بدون طيار يزيد من مخاطر الهجمات المنسقة ويزيد من إضعاف مؤسسات الدولة في المنطقة. علاوة على ذلك، أدى فك الارتباط العسكري الأخير لفرنسا عن منطقة الساحل إلى خلق فراغ أمني يمكن للجماعات المسلحة استغلاله. وفي غياب وجود عسكري فعال، يمكن للطائرات بدون طيار توفير استراتيجية جوية حيوية لسد هذه الفجوة والحفاظ على الأمن.

2) الطبيعة المتطورة للحرب الحديثة:

إن حركات التمرد الحديثة والجماعات الإرهابية تتكيف وتتحول، مستخدمة التطورات التكنولوجية لصالحها. وقد أظهرت الجماعات المسلحة التابعة للقاعدة وداعش في منطقة الساحل بالفعل استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار لشن هجمات منسقة. على الرغم من وجود أدلة محدودة حاليًا على قيام جهات فاعلة غير حكومية في منطقة الساحل بنشر طائرات هجومية بدون طيار، إلا أن هناك قلقًا متزايدًا من أنها قد تحصل على طائرات بدون طيار معدلة للعمليات العنيفة. على سبيل المثال، استخدمت الجماعات المسلحة في موزمبيق مؤخرًا طائرات بدون طيار لشن هجمات في بالما وبرايا. وعليه تستلزم الطبيعة المتطورة للحرب الحديثة الاستخدام الاستباقي للطائرات بدون طيار لمواجهة هذه التهديدات بشكل فعال.

3) معالجة القيود وتعزيز الأمن:

أثبتت الأساليب العسكرية التقليدية أنها غير فعالة في مكافحة التمرد في منطقة الساحل. وتقدم المسيرات مزايا استراتيجية يمكنها التغلب على هذه القيود. إنها توفر وعيًا بالحالة، وتمكين الضربات الدقيقة وتقليل المخاطر على حياة الجنود. وعلى سبيل المثال يمكن استخدام المسيرات لاصطياد قادة الجماعات العنيفة وتعطيل عملياتهم والتمييز بين المقاتلين والمدنيين. علاوة على ذلك، تمتلك المسيرات القدرة على خدمة الأغراض الإنسانية من خلال المساعدة في إيصال المساعدات وحماية البنية التحتية الحيوية وتعزيز جهود الشرطة المجتمعية. ومن المرجح أن تساهم هذه القدرات في بناء الثقة وكسب الدعم من السكان المحليين.

التحديات والمخاطر:

يتطلب الاستخدام الموسع للطائرات بدون طيار في منطقة الساحل دراسة متأنية للتصدي للتحديات المحتملة والمخاوف الأخلاقية. هناك حاجة إلى تحقيق التوازن بين فعالية عمليات المسيرات وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين وآثار الانتكاسات. وعليه يؤدي تورط المسيرات في الهجمات الجماعية ضد المواطنين في منطقة الساحل إلى إثارة الاستياء بين السكان، ومن المرجح أن يصب ذلك في مصلحة المتمردين، الذين سيستخدمون المآسي والمظالم العامة لتجنيد أعضاء جدد.

علاوة على ذلك، فإن الحصول على المسيرات من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية يشكل تهديدًا كبيرًا يجب تخفيفه من خلال أنظمة الرقابة على الصادرات والتعاون الدولي. كما يجب على الحكومات الاستثمار في جهود البحث والتطوير لتصميم تقنيات المسيرات خصيصًا لتلائم البيئة الفريدة لمنطقة الساحل والأنشطة الإرهابية السائدة.

وفي الختام، بينما تسحب فرنسا وجودها العسكري من منطقة الساحل، تقدم المسيرات حلاً واعدًا لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة. ويمكن أن يوفر انتشارها مزايا تكتيكية في مواجهة التمرد في الأماكن غير الخاضعة للحكم، مما يكمل الجهود الحالية. ومع ذلك، يجب أن يكون استخدام المسيرات جزءًا من نهج شامل يعالج الاقتصاد السياسي المعقد في منطقة الساحل. كما يجب على القادة الأفارقة النظر في إقامة شراكات مع الدول الكبرى للتمويل وتكنولوجيا المسيرات للتصدي بفعالية للتهديدات التي تواجهها المنطقة. وأيا كان الأمر فإنه على الرغم من النجاحات الكبيرة في أماكن أخرى مثل إثيوبيا وأوكرانيا، لا يمكن اعتبار المسيرات عامل تغيير في قواعد اللعبة في منطقة الساحل. ربما يمكن أن تكون مفيدة في عمليات محددة، وخاصة المراقبة، ولكن ليس للرد بكفاءة على اشكالية انتشار العنف والإرهاب.

أ.د. حمدي عبد الرحمن حسن / أكاديمي مصري

المصدر: مجلة قراءات إفريقية

spot_img