تعد موريتانيا في السنوات الأخيرة محط أنظار للعديد من القوي الإقليمية والدولية خاصة بعد سلسة من الانقلابات التي شهدتها منطقة الساحل، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية حيث تتمتع بالاستقرار في منطقة تعاني من اضطرابات أمنية وسياسية، وتمثل هذه الاضطرابات تحديًا لنواكشوط في انتشار الجماعات الإرهابية في غرب ووسط إفريقيا، مما زاد المخاوف من أن تتصاعد الضغوط الأمنية على نواكشوط في ظل مساعي الدول الغربية لإعادة التموضع في منطقة الساحل الإفريقي.
جدير بالذكر، أن موريتانيا عضو في تحالف مجموعة الساحل الخمس “G5” التي أسستها فرنسا، في فبراير 2014 في نواكشوط، وذلك لتنسيق التعاون الإقليمي في سياسيات التنمية والشؤون الأمنية في غرب إفريقيا، وانسحبت مالي منه في مايو 2022، وفي ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة، إذ تعتبر المجموعة قد انهارت بعد أن شهدت ثلاثة بلدان من G5 (النيجر وبوركينا فاسو ومالي) انقلابات، وهي الدول التي أسست تحالف دول الساحل الثلاث، وبالرغم من ذلك يؤكد رئيس موريتانيا “محمد ولد الغزواني” أن المجموعة لم تنهار وما زالت قائمة.
وفي ضوء ما سبق، يتطرق هذا التحليل لأهمية موريتانيا الاستراتيجية في ظل التنافس الدولي على نواكشوط، ويحاول الإجابة على تساؤل رئيسي، وهو: كيف تتعامل موريتانيا مع المتغيرات الجديدة التي تشهدها المنطقة؟
الأهمية الاستراتيجية لموريتانيا:
تتمتع موريتانيا بموقع استراتيجي مميز واحتياطات هائلة من الموارد، مما جعلها محل اهتمام من قبل الدول الإقليمية والدولية، وتحديدًا دول الاتحاد الأوروبي لقربها من السواحل الأوروبية، ويمكن توضيح أهميتها، كالتالي:
(&) الموقع الاستراتيجي: تتميز موريتانيا بموقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي، حيث تربط بين دول المغرب العربي وغرب إفريقيا وحدودها مع مالي، مما يجعلها ذات دور حاسم في إفريقيا جنوب الصحراء، كونها الدولة العربية الوحيدة داخل تجمع الساحل.
(&) الثروات والموارد: تعد موريتانيا ثالث أكبر الدول الإفريقية التي تمتلك مخزونًا من الغاز، حيث تمتلك موريتانيا احتياطات ضخمة من الغاز المسال تقدر بنحو 110 تريليون قدم مكعب، بعد نيجيريا التي تمتلك 207 تريليون قدم مكعب، والجزائر لديها 159 تريليون قدم مكعب، ويحتوي حقل “بير الله” على 80 تريليون قدم مكعب، بينما يحتوي حقل “السلحفاه” على 25 تريليون متر مكعب، وهناك احتمال أن تصدر منه أول شحنة نهاية العام الجاري.
كما تمتلك موريتانيا احتياطيات هائلة من الموارد كالأسماك والحديد والذهب وغيرها. وتشكل الموارد المتجددة نحو ثلثي الثروة الطبيعية، وتعادل مصايد الأسماك وحدها ربع الثورة الطبيعية.
ومما سبق، تسعي الدول الأوروبية للبحث عن طاقة بديلة لروسيا، ونظراً لاحتياطات نواكشوط الضخمة من الطاقة، اكتسبت موريتانيا أهمية استراتيجية جديدة، وربما تصبح موريتانيا مصدرًا للغاز إلي أوروبا بحلول نهاية عام 2023 مع اكتمال المرحلة الأولي من مشروع تورتو أحميم الكبري.
كما قد تصبح موريتانيا مصدرًا للطاقة المتجددة في غرب إفريقيا، حيث توفر نحو 700 ألف كيلو متر مربع من الأراضي المتاحة لبناء الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
التنافس الدولي:
تعد موريتانيا محل اهتمام كبير علي الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة، حيث تحظي باهتمام إسبانيا وفرنسا من جهة الصين وروسيا من جهة أخري نظرًا لأنها تتمتع بقدر من الاستقرار خصوصًا بعد سلسة من الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فكان هناك زيارات متبادبة عديدة بين قادة موريتانيا ومسؤولي دول العالم لبحث سبل التعاون، كالتالي:
(*) إسبانيا: تعتبر العلاقات بين موريتانيا وإسبانيا بالغة الأهمية منذ عقود، وتشهد هذه العلاقات زيارات ثنائية بين البلدين مما يؤكد على قوتها، وعليه، ففي 14 فبراير 2023 زار وفد عسكري إسباني نواكشوط، في إطار الدورة الـ 22 للجنة العسكرية المشتركة لبحث التعاون المشترك، وجاءت الزيارة بعد أسبوع على زيارة وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” لموريتانيا في 7 فبراير، ويعكس ذلك رغبة مدريد في منع تمدد النفوذ الروسي إلى جوارها في المحيط الأطلسي، إضافة إلى دعم الجهود الغربية لمكافحة التنظيمات الإرهابية في الساحل.
لم تكن تلك الزيارة هي الأولي بين البلدين، حيث زار رئيس الأركان الموريتاني مدريد في الفترة (23-26) يناير 2023، مما يؤكد على الدور المحوري لموريتانيا في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، وكذلك تعزيز التعاون في المجال العسكري.
وجدير بالذكر، زيارة الرئيس الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني” إلى إسبانيا في الفترة من (16-19) مارس 2022 التي رسخت أسس التعاون بين البلدين، حيث وقعت نواكشوط ومدريد في 3 نوفمبر 2022 اتفاقية أمنية لتعزيز مكافحة الهجرة غير النظامية، وتضمنت حصول موريتانيا على مساعدات لوجستية في المجال الأمني وتعزيز التعاون في مجال التدريب وتبادل الخبرات الأمنية، بما يساهم في دعم جهود نواكشوط لمكافحة الهجرة غير النظامية والتهريب والجريمة المنظمة، وذلك بعد زيارة رئيس الأركان الإسباني لموريتانيا في 17 يوليو 2022، ووزير الخارجية “خوسي مانويل ألبارس” في 20 يونيو 2022، وبحثا العلاقات الثناية بين البلدين وسبل تطويرها، خاصة في المجال العسكري، كما زار وزير الخارجية موريتانيا بعد أيام قليلة وبحث مع مسؤوليها عدة ملفات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية.
يتضح مما سبق، أن إسبانيا تسعى لتكون موريتانيا بوابتها لتوسيع نفوذها والتغلغل في منطقة الساحل، كما تحاول إقناع أعضاء حلف الناتو بوضع استراتيجية جديدة تمكنها من تكوين قاعدة ارتكاز في نواكشوط لإستراتيجيتها في الساحل، وتحديدًا بعد انسحاب قوات برخان الفرنسية من مالي، واستعداد القوات الفرنسية أيضًا للخروج من النيجر بحلول نهاية العام الحالي.
لذا تري مدريد أن هناك تهديدًا لأمنها القومي من خلال الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب البشر والهجرة والجريمة المنظمة العابرة للحدود، نظرًا لقرب موريتانيا من جزر الكناري الإسبانية من جانب المحيط الأطلسي، لذلك تحرص مدريد على توطيد علاقتها مع نواكشوط لمنع تدفق الهجرة غير الشرعية والجماعات الإرهابية، إضافة إلى مخاوفها من إحتمالية تصاعد التواجد العسكري لموسكو في المنطقة.
(*) فرنسا: تربط فرنسا بموريتانيا علاقات تاريخية مميزة، حيث تعد باريس شريكها الأول، من خلال التعاون في مجالي الأمن والدفاع، إضافة إلى تعاونهما القائم في مجالي التنمية والثقافة.
وعليه، تحتل باريس المرتبة الثانية في قائمة موردي موريتانيا بعد الصين، حيث بلغت صادراتها لموريتانيا 147 مليون يورو في عام 2016 وتشمل المنتجات الغذائية والأدوية، وسجل الميزان التجاري الثنائي فائضًا في عام 2016 بقيمة 104 مليون يورو لصالح فرنسا. أما الواردات الفرنسية مثلت 49 مليون يورو في عام 2014، في حين تصدرت الصين قائمة شركاء موريتانيا بفارق كبير، وتمثل ركائز الحديد الحصة الأساسية من هذه وارداتها من موريتانيا.
هناك نحو 60 منشأة فرنسية حاضرة في موريتانيا، وهي تعمل في قطاعات متنوعة مثل الطاقة والبناء واللوجستيات والمصارف وخدمات أخرى، وما تزال باريس تتصدر قائمة الاستثمار الأجنبي في موريتانيا مع استثناء الصناعات الاستخراجية، حيث بلغ إجمالي استثماراتها 84 مليون يورو في عام 2016.
وفي ظل الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الحليفة لفرنسا وانسحابها من دول الساحل، قد تحاول باريس في ظل وضعها الجديد تأسيس قاعدة انطلاق جديدة لإعادة بناء وجودها في الغرب الإفريقية واسترجاع علاقاتها المغاربية.
ومن جانبه أكد الرئيس الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني” في مقابلة مع صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية يوم 27 سبتمبر 2023، أن” إفريقيا تتوقع الكثير من فرنسا”، داحضَا فكرة أنها أخفقت في منطقة الساحل، ودعا إلى تجاوز الخلافات مع دول الجوار، وأشار أيضًا إلى الاضطرابات الأمنية في المنطقة وتكثيف الجماعات الإرهابية لعملياتها فيها، وخصوصًا بعد انسحاب قوات برخان، وقوات بعثة الأمم المتحدة “المينوسيما” الأممية من مالي، حسب موقع فرنسا 24.
ونظرًا للاضطرابات الأمنية في الساحل، وتراجع النفوذ الفرنسي، مرت العلاقات بين البلدين بتقلبات في السنوات الأخيرة، وجاء أبرزها رفض نواكشوط المشاركة في الحملة العسكرية التي شنتها باريس ضد الجماعات الإرهابية في إطار عملية “برخان”، بالرغم من أن الاتفاق كان بين مجموعة الخمس التي أسستها باريس.
ومع ذلك وفي ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجها موريتانيا في الفترة الحالية، قد يدفع الرئيس ولد الغزواني إلي الاعتماد علي فرنسا كحليف استراتيجي، بالرغم من الاضطرابات وكثرة الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الحليفة لباريس.
وعليه، يرى بعض الخبراء أن تصريحات ولد الغزواني محاولة منه لجعل بلاده بديل لدول الساحل ومدخل لعودة فرنسا المتحملة، وهي عودة صعبة في الواقع بما أن المواقف الرسمية والشعبية ترفض هذه العودة.
(*) روسيا: تشهد العلاقات بين روسيا وموريتانيا في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا، حيث ترتبط موريتانيا بعلاقات تجارية مع روسيا، وتحديدًا في مجال الحبوب إذ تستورد نواكشوط قمح بقيمة 31 مليون دولار، بينما تصدر لموسكو بقيمة 95 مليون دولار سنويًا من المنتجات السمكية، فيما بلغ مجموع الصادرات الروسية إلى موريتانيا 37.6 مليون دولار عام 2020.
وهناك زيارات متبادلة لبحث سبل التعاون بين البلدين، حيث زار الرئيس الموريتاني روسيا عام 2019 للمشاركة في القمة الروسية- الأفريقية، كما أجرى وزير الدفاع الموريتاني “حنن ولد سيدي” زيارة إلى روسيا في يوليو 2022، حيث وقع اتفاقًا للتعاون العسكري مع نائب وزير الدفاع الروسي “ألكسندر فومين”.
وفي المقابل زار وزير الخارجية الروسية ” سيرجي لافروف” نواكشوط في 7 فبراير 2023، لبحث سبل التعاون بين البلدين ، وإمكانية تطوير التعاون في مجال صيد الأسمال وتحسين ظروف عمل الصيادين الروس في المنطقة الاقتصادية الخالصة لموريتانيا، كما عرض لافروف دعم موريتانيا في مكافحة الإرهاب في خليج غينيا، إضافة إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي المتبادل بينهم، بينما اعتبرت صحيفة “لوبرا” الفرنسية أن هدف الزيارة يكمن في رغبة موسكو بحث بناء قاعدة عسكرية مع موريتانيا، وهو ما نفته الخارجية الروسية.
وأثار ذلك قلقًا غربيًا من احتمالية حصول روسيا على موطئ قدم في الساحل، مما يهدد الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي “ناتو”، وأكثر الأعضاء التي قد تتضرر إسبانيا لأنها الأقرب جغرافيا إلي موريتانيا.
وعليه، ينظر إلي روسيا علي أنها تريد توقيع اتفاقات اقتصادية وعسكرية في موريتانيا وفي إفريقيا، إضافة إلى التعاون في مجال الطاقة.
ويأتي حرص موسكو علي توسيع التعاملات مع نواكشوط، خوفًا من أن تساعد موريتانيا في عرقلة سعي روسيا في استخدام ورقة الطاقة ضد أوروبا، إضافة إلى منح الناتو موطئ قدم محتمل قريب من عمليات مجموعة فاجنر في مالي.
(*) الصين: تمتد العلاقة القوية بين الصين وموريتانيا منذ ستينات القرن الماضي، حيث يتنامي حجم التبادل التجاري بين البلدين، إضافة إلى وجود مشروعات مشتركة في مجالات عدة أبرزها النفط والغاز والتعدين.
ووقعت بكين مع نواكشوط صفقة لشراء بعض المعدات في 2016، حيث وقعت الحكومة الموريتانية عقدًا بقيمة 325 مليون دولار مع شركة “بولي تكنولوجيز” الصينية لتطوير ميناء ندياجو، كما بلغ حجم الاستثمار بين البلدين أكثر من 2.7 مليار دولار في عام 2021.
علاوة على ذلك، التقي الرئيس الصيني “”شي جين بينج” في 28 يوليو 2023 بنظيره الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني” في مدينة تشنجدو الصينية، لمدة خمسة أيام، وناقش البلدين سبل دعم وتطوير علاقات التعاون في المجالات كافة، كما وقع الطرفان على خطة بشأن دفع التعاون المشترك في إطار “مبادرة الحزام والطريق، وكان ذلك اللقاء هو الثاني لهما، حيث التقي الزعيمان على هامش القمة الصينية العربية في الرياض، في 9 ديسمبر 2022.
وعليه، وقع الجانبان اتفاقية تعاون، شملت قطاعات الزراعة وصيد الأسماك والطاقة الخضراء، ومنحت 21 مليون دولار لتخفيف عبء الديون عن موريتانيا.
علاوة على ذلك، ولتوطيد التعاون بين البلدين، أكدت الجمعية الوطنية في موريتانيا في يوليو 2023، علي تدشين فريق برلماني للصداقة الموريتانية الصينية، مما يخدم المصالح المشتركة للبلدين، بما في ذلك إعفاء الصين موريتانيا من ديون تقدر بـ 20 مليون دولار.
وجدير بالذكر، أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لموريتانيا منذ عام 2013، وفي عام 2022 وصل حجم التجارة الثنائية إلى 2.13 مليار دولار أمريكي من خلال التعاون في مجال المعادن والثروة السمكية.
ومما سبق، يتضح أن هناك مخاوف من قبل الولايات المتحدة من أن تتسبب العلاقات الثنائية بين بكين ونواكشوط في ردع الاستراتيجية التي يتبناها بايدن لاحتواء الصين، كما تحاول واشنطن منع بكين من إنشاء قواعد عسكرية على الساحل الغربي لإفريقيا.
تأتي تلك المخاوف وفقًا لما تضمنه تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في 27 يوليو 2023، بوجود قائمة مرشحة لإقامة قواعد بحرية صينية في المستقبل القريب وهي: هامبانتوتا في سريلانكا، وباتا في غنيا الاستوائية، وجوادر في باكستان، وكريبي في الكاميرون، وريام في كمبوديا، ولوجانفيل في فانواتو، وناكالا في موزنبيق، بجانب نواكشوط في موريتانيا.
ومما سبق، يمكن القول إن الحديث عن رغبة بكين بإقامة قواعد عسكرية في إفريقيا يرجع إلي الأهمية الكبري التي تمثلها القارة للصين، باعتبارها شريك تجاري مهم لبكين، إضافة إلى احتواء أراضيها على ثروات معدنية ذات أهمية كبري في صناعة الرقائق الإلكترونية، مما يجعلها محل تنافس بين بكين وواشنطن، لذا فإن أهداف بكين من إنشاء قواعد عسكرية محتملة في إفريقيا يتمثل في حماية مصالحها الاقتصادية والتجارية المتزايدة في القارة.
سيناريوهات محتملة:
بقراءة وتحليل ما سبق، يمكن طرح سيناريوهين حول تعامل موريتانيا مع المتغيرات الجديدة التي تشهدها المنطقة، كالتالي:
(-) السيناريو الأول: استمرار التحالفات مع الدول الأوروبية: قد توطد موريتانيا علاقاتها مع الحلفاء الأوروبيين، وحلف شمال الأطلسي الذي يعتبرها شريكًا رئيسًا في المنطقة التي يستطيع من خلالها التعامل مع قضايا الساحل، وذلك على حساب مجموعة الساحل الخمس (خاصة تحالف دول السالحل المكون من النيجر وبوركينا فاسو ومالي) التي قد تبعد عن أنظار الدول الأوروبية بعدما تدهورت العلاقات بها إلى حد ما، بات التحالف الثلاثي الناشئ ينظر إلى موريتانيا فقط على أنها “أداة” للدول الأوروبية، خاصة فرنسا لتوسيع نفوذها وتأمين حاجاتها من الطاقة وضمان تواجدها في إفريقيا بعد الانسحاب الفرنسي من دول الساحل.
كما ترغب تلك الدول لتوطيد علاقاتها مع موريتانيا لمواجهة النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا لحماية مصالحها في القارة و مكافحة الهجرة غير النظامية والتهريب والجريمة المنظمة. وفي المقابل سوف يؤدي ذلك إلى توتر علاقات نواكشوط بشركائها السابقين في مجموعة الساحل، مما يفشل التعاون والتنسيق بينهم في مواجهة الجماعات الإرهابية، وفي ظل تنامي التهديدات الأمنية بالمنطقة وتخوف موريتانيا من تمدد التهديدات الإرهابية، قد يجعل نواكشوط حريصة على استمرار الوضع كما هو عليه في الشراكة الأمنية مع فرنسا وأوروبا عمومًا.
لذا، قد تبتعد موريتانيا عن الدخول في نزاعات ومواجهات مع دول الساحل، بما يخدم مصالحها.
(-) السيناريو الثاني: تكوين تحالفات جديدة: وهو الأكثر ترجيحًا، إذ من المحتمل أن تتجه موريتانيا لتكوين تحالفات جديدة، بالتحديد مع الصين، التي تسعى لتوطيد علاقاتها وتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في إفريقيا.
فمن الجانب الاقتصادي، بحث البلدان سبل التعاون المشترك في كافة المجالات، إضافة إلى توقيع خطة التعاون المشترك في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، وتدشين فريق برلماني للصداقة الموريتانية الصينية في يوليو 2023.
أما الجانب العسكري، فهناك احتمالية من أن تقيم الصين قواعد عسكرية بحرية في المستقبل على ساحل جنوب الأطلسي والتي تعد نواكشوط إحدى وجهاته المحتملة، تلك القواعد في حال نجحت الصين في إنشائها سوف يتصاعد نفوذها السياسي والعسكري، وقد تتحول إلي قوة مهددة للولايات المتحدة، بتقليل من الفجوة بينها وبين واشنطن فيما يتعلق بانتشار القواعد العسكرية، ومن المؤكد أن تصبح قادرة علي أي مواجهة مستقبلية محتملة مع واشنطن بشأن تايوان، إضافة إلى حماية مصالحها الاقتصادية والتجارية في القارة.
ختامًا؛ يمكن القول إنه نظرًا لتراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة، ولكي تحافظ نواكشوط على علاقات جيدة مع شركائها في مجموعة دول الساحل الخمس، واستمرار التعاون والتنسيق بينهم في مواجهة الجماعات الإرهابية، من المحتمل أن تتجه موريتانيا لتكوين علاقات اقتصادية وربما عسكرية مع الصين، طبقًا لما تم ذكره في السيناريو الثاني في هذا التحليل.
عبير مجدي / أكاديمية مصرية متخصصة في الشأن الإفريقي
المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية