spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

ما موقف نيجيريا من انقلاب النيجر؟

شهدت النيجر انقلابًا عسكريًّا في 26 يوليو الماضي، وأدخل هذا التطور رؤساء منطقة الساحل ودول غرب إفريقيا في حيرةٍ وارتباكٍ؛ لعدة أسباب متعلقة بتداعيات انعدام الاستقرار في المنطقة، وعواقب نجاح الانقلابات العسكرية التي قد تُعزِّز طموحات قادة الجيش في الدول الأخرى.

وفي قمة طارئة يوم الخميس الماضي، أفاد رؤساء دول غرب إفريقيا تحت راية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) أن جميع الخيارات -بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لاستعادة الحكم الدستوري وعودة الرئيس المعزول محمد بازوم- لا تزال مطروحة على الطاولة, وأمروا بتفعيل قوة الكتلة الاحتياطية بعد أن تجاهل قادة الانقلاب مهلة 6 أغسطس من إيكواس لإعادة بازوم إلى منصبه, وتعهدوا بفرض عقوبات وحظر سفر على أولئك الذين يمنعون عودته إلى السلطة.

وفي حين انتهت مهلة إيكواس دون وجود أيّ تحرُّك حقيقي يُثبت أن الكتلة الإقليمية ستتدخل بالفعل عسكريًّا؛ فإن كون نيجيريا مُجاوِرَة للنيجر، ووجود روابط إثنية قوية وعلاقات تاريخية بين الدولتين؛ يضع أبوجا في موقف حرج؛ إذ تلعب نيجيريا دورًا بارزًا في إيكواس التي تقود الحملات ضد الانقلابات العسكرية في المنطقة, ويرأس الرئيس النيجيري الحالي بولا أحمد تينوبو الكتلة, وهو ما يجعل أبوجا عاصمة نيجيريا مركز قرارات “إيكواس” منذ بداية الأزمة.

ولكن ما الموقف النيجيري من الانقلاب وتهديدات الإيكواس بالتدخل العسكري؟ وما موقف النيجيريين من تطورات الأحداث؟ وما مقترحات الحلول السائدة بين المجتمع النيجيري تجاه الأزمة؟

موقف الحكومة النيجيرية:

إن التعامل مع انقلاب النيجر بمثابة أول اختبار حقيقي للسياسة الخارجية للرئيس النيجيري تينوبو الذي تسلَّم الرئاسة في 29 مايو 2023م. ويتمثّل موقف حكومة نيجيريا في رَفْض الانقلاب العسكري جملةً وتفصيلًا. ويتفق هذا الموقف مع وجهات نظر جُلّ النيجيريين الذين يرون ضرورة عودة الحكم الدستوري، وعدم مشاركة الجيش في العملية السياسية في النيجر.

ويرتبط موقف الحكومة النيجيرية الرسمية مع موقف منظمة “إيكواس” التي يترأسها حاليًّا الرئيس النيجيري. وهذا الموقف هو رفض الانقلاب، واستخدام العقوبات المختلفة لإجبار قادة الانقلاب على التراجع عن فِعْلتهم، مع طرح جميع الخيارات على الطاولة، وجعل استخدام القوة العسكرية ملاذًا أخيرًا.

وممَّا يُلاحَظ أن نيجيريا تتعمَّد التقاعس عن تبنّي قرار التدخل العسكري. فعلى الرغم من رفض مجلس الشيوخ النيجيري طلب الرئيس تينوبو نشر قوات نيجيرية في النيجر؛ إلا أن الحقيقة أن ذلك كان مجرد حيلة سياسية من حكومة تينوبو لتأخير إيكواس التي ينتظر قادتها قرار نيجيريا النهائي بشأن نشر القوة العسكرية.

ويؤكد هذا نفي المتحدثين الرسميين للحكومة النيجيرية ما يُشَاع عن أنها تَستعدّ لغزو جارتها –أي النيجر-، مؤكدين أن التزامهم هو دعم النيجر في الرحلة نحو الاستقرار الديمقراطي السلمي، وتكريس الجهود الجماعية للتوصل إلى حل سلمي.

ومع ذلك؛ هناك انقسام بين مسؤولي الحكومة النيجيريين حول التدخل العسكري في النيجر؛ إذ يوجد منهم من يرى أن على إيكواس وضع حدّ لسلسلة الانقلابات العسكرية, وآخرون يُحذِّرون من تداعيات التدخل العسكري. وهناك من يقول: إن القرار النهائي لإيكواس وليس لنيجيريا؛ حيث تضم الكتلة 15 دولة في غرب إفريقيا, وتبدو من مواقف بعض هذه الدول تأييدها للقوة العسكرية، بينما ترفض دول أخرى استخدام القوة.

ويُضاف إلى ما سبق أن أعضاء الحزب الحاكم في نيجيريا منقسمون فيما بينهم فيما يتعلق بالتدخل العسكري؛ إذ رأى المؤيدون أن ذلك تطوُّر مُرحَّب به في حالة فشل الدبلوماسية, وأنه سيُصلح سمعة إيكواس من مجرد “مجموعة بلا قوة ولا تأثير” إلى كتلة فاعلة ذات قرار حاسم؛ وذلك لوضع حدٍّ لطموحات الضباط العسكريين الساعين إلى السلطة عبر الإطاحة بالحكومات المُنتَخَبة.

وأشار أصحاب هذا الموقف أيضًا إلى أن عبء التدخل العسكري لن يكون فقط على نيجيريا؛ لوجود العديد من الجهات الأخرى التي تدعم قرار إيكواس, مثل الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وهذا يعني أيضًا أن مجلس الشيوخ النيجيري قد يكون مضطرًّا إلى إعادة النظر في قراره السابق الذي رفض فيه التدخل العسكري.

وهناك لفتة أخرى مرتبطة بالحالة الاقتصادية في نيجيريا؛ فالرئيس “تينوبو” جاء إلى الرئاسة عبر حملات قائمة على الإصلاحات الاقتصادية، وإعادة بناء القطاعات الرئيسة, ولكنَّ سياسات سلفه الرئيس “محمد بخاري” والإجراءات التي أطلقها “تينوبو” منذ وصوله إلى السلطة كلها تأتي بنتائج عكسية، مما يفاقم أزمة العملة الوطنية والأوضاع المعيشية للنيجيريين؛ حيث زاد سعر لتر الوقود بنسبة 200 في المئة، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغيرها.

ويراهن “تينوبو” في سياساته الإصلاحية على الاستفادة من مقترحات البنك الدولي، وغيرها من الدراسات المحلية النيجيرية والمنظمات الدولية, ويسعى إلى جلب الاستثمارات الأجنبية، وخاصةً من الغرب؛ مما يجعل بعض السياسيين النيجيريين يُحذّرونه من محاولة إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها عبر التورط في أزمة النيجر, وخاصةً بعدما أصدرت هذه الحكومات الغربية بيانات أعلنوا فيها دعمهم لقرار “إيكواس”.

موقف النخبة السياسية والأحزاب المعارضة:

يوجد انقسام أيضًا في وجهات نظر النخبة الساسية في نيجيريا؛ إذ أدان البعض منهم الاستيلاء بالقوة على السلطة في النيجر, ولكنهم رأوا أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على المجلس العسكري النيجري كافية, وأنه يجب استبعاد استخدام القوة، بغضّ النظر عن تمسّك المجلس العسكري النيجري بالسلطة, مُحذِّرين من أن أيّ تدخل عسكري سيؤدي إلى تفاقم الأزمة مع احتمال امتدادها إلى نيجيريا.

وقد أثار المعارضون السياسيون شكوكًا حول آليات تمويل العملية العسكرية في النيجر؛ لأن نيجيريا بصفتها رئيسة هذا التدخل ستتحمل عن قصد أو غير قصد مسؤوليات هائلة للعملية, وهناك احتمال انفجار التدخل العسكري ليكون حربًا أهلية أو صراعًا إقليميًّا؛ نظرًا لتكاتف ثلاث دول فرنكوفونية أخرى (مالي بوركينا فاسو وغينيا) خاضعة للحكم العسكري مع النيجر، ونظرًا لدعم ليبيا ودول عربية أخرى في إفريقيا للمجلس العسكري النيجري. كما أن روسيا تحذر إيكواس من التدخل العسكري, وهو ما يعني أن النيجر قد تكون أول جبهة قتال مباشرة بين الغرب الذي له مصالح وقواعد عسكرية عديدة فيها، وبين روسيا التي توسّع نفوذها في دول منطقة الساحل.

إن ما سبق أدَّى إلى دعوة بعض أعضاء الأحزاب السياسية المعارضة في نيجيريا للرئيس “تينوبو” إلى تجاهل فكرة نشر القوات في النيجر؛ حيث حثّوه على التركيز على برامجه الإصلاحية؛ لأن سلسلة اجتماعاته حول القضية بدأت تُلهي حكومته عن المشكلات التي يعانيها النيجيريون في الداخل والأزمات الناتجة من الارتفاع اليومي لأسعار المنتجات البترولية, إلى جانب الفساد المستمر والتمرد المسلح مع تراكم القروض الخارجية وارتفاع نسبة البطالة بين المواطنين، والتي تعزز هجرة النيجيريين إلى الخارج بوتيرة غير مسبوقة.

هذا, ويجب الاعتراف بأن وضع الرئيس النيجيري في هذه الأزمة صعب؛ لأنه رئيس إيكواس، ونيجيريا بمثابة قاعدة القوة في المنطقة، ويُنْظَر إليها على أنها مَدِينَة للدول الأخرى بواجب أن تحذوا حذوها في طموحها الجماعي لاستعادة الديمقراطية الدستورية في غرب إفريقيا.

وإذا افترضنا أن حكومة الرئيس تينوبو مُصرَّة على التدخل العسكري؛ فستحتاج إلى إرسال طلب جديد لمجلس الشيوخ النيجيري الذي يتمتع بموجب الدستور بالسلطة الرئيسة للموافقة على نشر القوات النيجيرية في مهمة خارجية, حتى وإن كان بموجب دستور عام 1999م يمكن للرئيس نشر قوات مع إيكواس، ولكن يجب عليه الحصول على تفويض من مجلس الشيوخ بعد سبعة أيام من النشر.

جدير بالذكر أنه حتى في بعض دول جوار النيجر الداعمة لقادة الانقلاب؛ يوجد لبعض مواطني هذه الدول رأي مختلف عن قادتهم. وعلى سبيل المثال؛ قالت الحكومتان العسكريتان في مالي وبوركينا فاسو: إن أيّ تدخُّل عسكري في النيجر سيُعتَبر كأنه إعلان حرب عليهما. ولكنَّ التقارير المختلفة كشفت أنه في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو يشعر البعض أنه ليس من المنطقي لقادة بلادهم الجُدد دعم انقلاب النيجر؛ لاختلاف الظروف التي أدت إلى ذلك؛ ففي حالة بوركينا فاسو كانت البلاد في وضع سيِّئ من التدهور الحادّ في انعدام الأمن، بينما النيجر من ناحية أخرى كانت في وضع مستقر.

موقف النشطاء والقانونيين النيجيريين:

أدلى النشطاء القانونيون النيجيريون بدَلْوهم في القضية, وأثاروا قضايا قانونية دولية مختلفة. وكان الموقف السائد بينهم أن إصدار إيكواس أمرًا بنشر القوات للإطاحة بالمجلس العسكري في النيجر أقرب إلى تمثيل أو عملية انتحارية، أو من قبيل الدعايات التي أغرت روسيا على خوض الحرب في أوكرانيا؛ إذ من المفترض قبل نشر القوات في النيجر أن تحصل “إيكواس” على موافقة أو تصريح من الجمعية الوطنية الخاصة بكل دول الكتلة المؤيدة للعملية، وكذا موافقة منظمة الأمم المتحدة. وأفادوا بأن معاهدة إيكواس أو بروتوكولاتها أو مبادئها التصريحية لا تسمح للهيئة الإقليمية بغزو دولة أخرى باسم الحفاظ على الديمقراطية, حتى وإن كانت تُحمِّل القادة والمسؤولين عبء الإجرام الذي تَجلبه تحركاتهم بموجب القانون الدولي.

بل أثار قانونيون آخرون في نيجيريا عدة تساؤلات مرتبطة بالمسؤولية الأخلاقية لزعماء إيكواس, وما إذا كانت النيجر هي الدولة الوحيدة في الكتلة التي تخضع للحكم العسكري، ولماذا لم تقم الكتلة بالخطوة نفسها في غينيا وبوركينا فاسو ومالي, وهو ما يُفْضِي إلى تساؤلات أخرى عما إذا كان موقف إيكواس متعلقًا بدُوَلها وأمنها واستقرارها أم بمصالح جهات أجنبية أخرى تُموّلها، وأهداف اقتصادية أجنبية مهددة؟!

وقد توجّهت مجموعة من النيجيريين نحو المحكمة في الأسبوع الماضي للمطالبة بمنع الحكومة النيجيرية وحكومات إيكواس الأخرى من أيّ تدخّل عسكري في الجارة النيجر, وأعلنت هذه المجموعة أن على الكتلة الإقليمية اعتبار سيادة النيجر وسلامتها الإقليمية وإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان الأساسية لمواطنيها؛ حيث يرتقي استخدام القوة إلى انتهاك حقوق الإنسان الأساسية على النحو المنصوص عليه في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، وإعلان الحق في التنمية لعام 1986م.

موقف الشعب النيجيري:

يتمثّل موقف معظم النيجيريين في رفض الانقلاب في النيجر، والرفض التام لأيّ محاولة لنشر القوات الإقليمية فيها بدعوى إعادة الحكم الدستوري. وتأتي جُلّ الحملات المُعارِضَة للتدخل العسكري من الشمال النيجيري, وهو متوقَّع؛ نظرًا لطبيعة السياسة في نيجيريا؛ حيث ينتقد سكان الجنوب الحكومة الفدرالية أكثر من سكان المناطق الأخرى عندما يكونون أكثر تأثرًا بقضية معينة، بينما ينتقد الشمال بصوت أعلى عندما يؤثر الوضع على منطقتهم أكثر من غيرها.

وفي سياق التطوّر في النيجر؛ تشترك سبع ولايات في شمال نيجيريا في الحدود مع النيجر, بما في ذلك كبّي وصوكوتو وزمفارا وجيغاوا وكتسينا ويوبي وبورنو. ويبلغ طول هذه الحدود 1608 كيلومترات مع خمس مناطق في جمهورية النيجر. وقد تظاهر بعض النيجيريين في الشمال ضد خطة التدخل العسكري، وأوامر إغلاق الحدود مع النيجر, وناشد النيجيريون المقيمون في النيجر حكومة تينوبو بترك الجارة وشؤونها الداخلية.

ومن ناحية الروابط الإثنية؛ تشترك نيجيريا والنيجر في عدد من الإثنيات التي تؤثر في العمليات السياسية والاقتصادية في الدولتين, مثل إثنية هوسا التي تقع أراضيها الرئيسة في شمال نيجيريا وجنوب النيجر, بل وتشكل أكثر من 50 في المئة في إثنيات النيجر.

وهناك إثنيات زَرْما وفولاني وكانوري والتي تنتشر في كل من شمال نيجيريا والنيجر. وهذا يعني أن معظم النيجيريين، وخاصة في الشمال، يملكون علاقات اجتماعية قوية مع النيجر؛ حيث يعيش أفراد عائلتهم, وأن لهم أعمالًا تجارية على جانبي الحدود.

ويضاف إلى ما سبق أن تقارير محلية كشفت أن أكثر من 300 ألف لاجئ والعديد من النيجريين قد فرُّوا إلى نيجيريا في أعقاب الانقلاب، وهو ما يشير إلى أن أيّ نشر للقوات العسكرية في النيجر التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون شخص سيكون له عواقب إنسانية وأمنية وخيمة.

هذا, وهناك شريحة من النيجيريين تؤيد انقلاب النيجر, بما في ذلك بعض السياسيين الذين يرون أن سبب تحرّك العسكر في البلاد هو لـ”تحرير النيجر” من الوصاية الاستعمارية لفرنسا, وبالتالي كان رفض مجلس الشيوخ النيجيري للتدخل العسكري متوافقًا مع مشاعر هؤلاء النيجيريين, وخاصة الذين تقع ولاياتهم ومجتمعاتهم السكانية على الحدود مع النيجر.

موقف نيجيريا في سياق الدعم الشعبي لانقلاب النيجر:

ممَّا يُعقِّد موقف نيجيريا وإيكواس من انقلاب النيجر أن المجلس العسكري نجح في استقطاب الدعم الشعبي بعد أيام من الانقلاب, وهو ما يجعل المحذرين من تدخل إيكواس العسكري يشيرون إلى أن ما حدث أصبح يُعتبر لدى النسبة الكبرى من المجتمع النيجري ثورةً مُرحَّبًا بها، وتطورًا يُعبِّر عن حالتهم الاقتصادية، ويعكس معارضتهم للوجود الفرنسي.

ويعني الدعم الشعبي للانقلابيين أن الأفضل لنيجيريا استكشاف وسائل أخرى لحل النزاع خارج استخدام القوة، وهو ما يُجنِّب نيجيريا أن تصبح دولةً مُعادية فًي نظر النيجريين؛ لعُمْق الأزمة وتعقيدها، نتيجة لتعدد أسبابها وعواملها. بل وسيساعد نيجيريا على التركيز في الداخل وحلّ مشكلات الاقتصاد المنهار بدلًا من إنفاق الموارد المحدودة على العملية العسكرية التي لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات الأمنية في الساحل ووضع النيجريين، وفقدان المصلحة المحلية لنيجيريا.

نحو تفعيل الدبلوماسية العامة واستنفاد البدائل الأخرى:

من خلال تتبُّع تصريحات الرئيس النيجيري تينوبو، وتعليقات بعض مسؤولي حكومته؛ يُلاحَظ أن موقفهم الخاص هو عدم أولوية التدخل العسكري؛ لما يترتب على ذلك من تداعيات, ولكنهم أيضًا يجارون إيكواس في تعليقاتهم؛ حيث أصرّوا مرارًا على أن نشر القوة العسكرية سيكون الخيار الأخير.

وإذا كانت نيجيريا ليست غريبة عن التدخل العسكري في دول أخرى بغرب إفريقيا؛ إلا أن الظروف والأوضاع التي أدت إلى تلك التدخلات تحت راية “إيكواس” في دول مثل ليبيريا وساحل غينيا؛ مختلفة عما يجري في النيجر؛ حيث كانت تلك الظروف مرتبطة بالقضايا الخطيرة ذات البُعد الإنساني والقتل الجماعي وغيرها، والذي لا يمكن مقارنته مع قضية إنقاذ الديمقراطية.

ومما يجعل الأزمة حسَّاسة أن انقلاب النيجر صار لدى الشعب النيجري انقلابًا على فرنسا وسياساتها الاستعمارية، وليس ضد الرئيس بازوم وحكومته. وبالتالي سيبدو تبنّي نيجيريا أجندة عسكرية أنها تقاتل لصالح القوة الاستعمارية التي تُعاديها النيجر والمستعمرات الفرنسية السابقة الأخرى مثل مالي وبوركينا فاسو, وستؤدي إلى نزوح النيجريين إلى داخل نيجيريا؛ مما سيخلق مشكلة معقَّدة لضعف القدرة النيجيرية الحالية للتعامل مع النزوح الجماعي والضغط على الإمدادات الأساسية.

بل ظهرت تهمة دعم نيجيريا لفرنسا بعد إغلاق نيجيريا لحدودها مع النيجر، وفرض عقوبات أثّرت في سلسلة الإمدادات الغذائية وقطاع الطاقة الكهربائية النيجرية, رغم ضعف علاقات أبوجا مع فرنسا؛ مقارنةً بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا, ورغم أن العديد من قادة الانقلاب في النيجر تعاونوا مع فرنسا واستفادوا من مساعداتها العسكرية في البلاد منذ سنوات, ورغم أن بعض قادة الجيش النيجري والمشاركين في الانقلاب مُدَرَّبُون في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويعني ما سبق أن الخيار الوحيد المتاح أمام نيجيريا هو تكريس علاقاتها الإثنية والدينية مع النيجر وتعزيز نهج الدبلوماسية العامة, وخاصةً أن مما يعزز الانقلابات في المنطقة ضعف أداء الحكام “المنتخبين ديمقراطيًّا”، وتورط بعضهم في الفساد والتلاعب الدستوري لتدعيم حكم عائلاتهم واستمرار حكمهم الذي يساهم في إفقار شعوبهم.

جدير بالذكر أن تحرُّكات الحكومة النيجيرية منذ الأيام الماضية تؤكّد على أن الرئيس تينوبو يستمع إلى تحذيرات عدم التدخل العسكري؛ حيث أرسل العديد من الشخصيات البارزة ورجال الدين من شمال نيجيريا الذين يحظون بالاحترام في النيجر، ويتفهمون وضعهم أكثر للتحدث مع قادة الانقلاب.

وقد أفادت التقارير بأن تلك الشخصيات البارزة بدأوا يسجّلون نجاحات فيما يتعلق بإخضاع قادة الانقلاب للجلوس على طاولة الحوار مع إيكواس.

ومن بين الشخصيات التي أرسلتها حكومة تينوبو إلى النيجر هو الحاج سانوسي لاميدو سانوسي -محافظ البنك المركزي النيجيري السابق وأمير كانو الشمالية بين عامي 2014 و2020م-، وهو أيضًا زعيم التنظيم النيجيري للطريقة التيجانية التي لها أتباع كثيرون في جميع أنحاء غرب إفريقيا، بما في ذلك النيجر. وقد اجتمع سانوسي مع الرئيس تينوبو في الأسبوع الماضي, والتقى بقادة الانقلاب في نيامي العاصمة النيجرية في يوم الأربعاء الماضي.

ومساء أمس الأحد أفادت تقارير أخرى بأن جهود فريق التدخل النيجيري المُؤلَّف من علماء مسلمين بقيادة الرئيس الحالي لـ “جمعية إزالة البدعة وإقامة السُّنَّة” قد تُوِّجَت بنجاح؛ حيث وافق زعيم المجلس العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تشياني على بدء الحوار الدبلوماسي لحل المأزق السياسي في البلاد.

ويضاف إلى ما سبق أنه يجب على الرئيس النيجيري “بولا تينوبو” وزعماء آخرين في إيكواس التحقيق في الظروف التي أدَّت إلى الانقلاب العسكري، والتعامل مع قضايا الفقر وانعدام الأمن؛ حيث إن هذا سيُوجّه كتلة إيكواس إلى الخطوات الصحيحة لوضع حدّ لجائحة الانقلاب في إفريقيا.

ويجب الأخذ في الاعتبار أن النسبة الكبيرة من سكان النيجر يعيشون في فقر مدقع؛ رغم موارد البلاد المعدنية الهائلة, إلى جانب كونها دولة غير ساحلية، مما يعني أن تطوير البلاد اقتصاديًّا بحاجة إلى حِنْكة سياسية وجهود ابتكارية زائدة، وخاصة باعتبار الرأي السائد أن التجارة عن طريق البحر أرخص بكثير وأسهل من التجارة البرية.

 

د. حكيم ألادي نجم الدين / أكاديمي نيجيري وكاتب متخصص في الشئون الإفريقية

المصدر: مجلة قراءات إفريقية

spot_img