منذ بدء أنشطة التجارة البحرية، لعبت الموانئ دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، حيث يتم نقل أكثر من 80% من تجارة السلع العالمية (من حيث الحجم) عبر الطرق البحرية. وهناك نسبة كبيرة ومتزايدة من هذا الحجم، تمثل نحو 35% من إجمالي الأحجام وأكثر من 60% من القيمة التجارية، يتم نقلها في حاويات. وتعد موانئ الحاويات نقاط ارتكاز أساسية في سلاسل الإمداد العالمية، وهي بالغة الأهمية لإستراتيجيات النمو في العديد من الاقتصادات الصاعدة.
وغالباً ما كان تطوير البنية التحتية عالية الجودة للموانئ، التي تعمل بكفاءة، شرطاً أساسياً لنجاح إستراتيجيات النمو، لاسيما تلك التي تعتمد على الصادرات. وعندما يتم ذلك بشكل صحيح، فإنه يعزز الثقة اللازمة لجذب الاستثمار في أنظمة الإنتاج والتوزيع، ومساندة نمو الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية، وخلق فرص العمل، وزيادة مستويات الدخل.
وعلى النقيض من ذلك، فإن قصور أداء الميناء أو عدم كفاءته يمكن أن يعوق نمو التجارة، مع ما لذلك من تأثير عميق على البلدان النامية غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية. ويعد الميناء، إلى جانب البنية التحتية للوصول (مثل المجاري المائية الداخلية، أو السكك الحديدية، أو الطرق) إلى المناطق الداخلية، رابطاً حيوياً للسوق العالمية ويحتاج إلى العمل بكفاءة. ويشمل الأداء المتسم بالكفاءة عدة عوامل، مثل كفاءة الميناء نفسه، وتوافر الغاطس، والأرصفة، وأحواض الرسو، وجودة وصلات الطرق والسكك الحديدية، والقدرة التنافسية لهذه الخدمات، وفعالية الإجراءات التي تستخدمها الهيئات العامة لتخليص الحاويات. وسيؤدي أي وجه من أوجه القصور أو الحواجز غير الجمركية إلى ارتفاع التكاليف، وانخفاض القدرة التنافسية، وانخفاض حجم التجارة.
كما تم تحديد كفاءة البنية التحتية للموانئ باعتبارها من العوامل الرئيسية المساهمة في القدرة التنافسية الكلية للموانئ وتكاليف التجارة الدولية. ومما يؤسف له أن الموانئ والمحطات، وخاصة محطات الحاويات، غالباً ما تكون مصادر رئيسية للتأخير في الشحن، وتعطل سلاسل الإمداد، والتكاليف الإضافية، وانخفاض القدرة التنافسية. والنتيجة في كثير من الأحيان هي أنه بدلاً من أن يكون الميناء سبباً في تسهيل التجارة، فإنه يؤدي إلى زيادة تكلفة الواردات والصادرات، وتقليل القدرة التنافسية، وإعاقة جهود النمو الاقتصادي والحد من الفقر؛ وقد يكون تأثير ذلك على بلدٍ ما أو البلدان التي يخدمها الميناء شديداً. ويمكن أن تؤدي الموانئ التي تفتقر إلى الكفاءة إلى إبطاء النظام الدائري لشحن الحاويات، ومن ثم خفض السعة وتقليل التكاليف. ويتعين على السفن الانتظار دون داعٍ لتكبد تكاليف إضافية للوقود، وانبعاثات إضافية، وتكاليف أخرى إضافية.
ومن شأن تحسين أداء موانئ الحاويات أن يؤدي إلى خفض تكلفة التجارة، والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، وتحسين القدرة على الصمود، فضلاً عن تقليل الانبعاثات غير الضرورية من السفن. يعتبر دور الموانئ كمحور رئيسي في الاقتصاد العالمي سبباً رئيسياً في تتبع البنك الدولي ومؤسسة ستاندرد آند بورز العالمية لأداء الموانئ لما يقرب من 350 ميناءً عالمياً في مؤشر أداء موانئ الحاويات.
وأصبح الإصدار الثالث من هذا التصنيف متاحاً الآن، وتُظهر بيانات عام 2022 أن الموانئ على مستوى العالم تواصل تعافيها من حالات الارتباك التي شهدتها في حقبة الجائحة، حيث سمح انخفاض الطلب للموانئ بتخليص البضائع المتراكمة.
ولكن على الرغم من مواصلة التعافي، فإن التصنيف يشير إلى وجود مجال كبير لتحسين مستوى الكفاءة في الموانئ العالمية من خلال تطوير بنية تحتية أفضل، والابتكارات الفنية والرقمنة، في الوقت الذي تسعى فيه الموانئ إلى تحسين إنتاجية ما لديها من أصول وخدمة العملاء والمساهمة في تحقيق أهداف خفض الانبعاثات في الصناعة.
ويُعتبر الغرض من مؤشر أداء موانئ الحاويات والبيانات الأساسية هو تحديد الثغرات وفرص إدخال التحسينات التي من شأنها أن تحقق الفائدة لجميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في مجال التجارة العالمية، بما فيها الحكومات، وخطوط الشحن، وشركات تشغيل الموانئ ومحطات الحاويات، وشركات الشحن، وشركات الخدمات اللوجستية، والمستهلكون. ومن خلال تحديد أفضل الموانئ أداءً – وتلك التي لديها مجال للتحسين – يمكننا تحديد ما هي أوجه التقدم والإستراتيجيات التي ينبغي محاكاتها في موانئ أخرى. وتساعد هذه الرؤى والأفكار في إثراء عملنا مع البلدان النامية وهي تواصل تطوير أنظمة الموانئ لديها وتسعى إلى إيجاد السبل المناسبة للإسهام في سلاسل الإمداد المستدامة والقادرة على الصمود
ريتشارد مارتن همفريز / كبير الخبراء الاقتصاديين في مجال النقل بالبنك الدولي
المصدر: مدونات البنك الدولي