لا يسعى الانتخاب في تفاصيل مقاصده إلا للتعبير عن خيارات الجماهير بطريقة عادلة ومؤسسة، لكن طبيعة تجسيد ذلك الهدف وطريقة تجسيده في المستوى المؤسسي، يدفع للنظر قبل التساؤل في فلسفة الاختيار وجداوئية الأساس الذي تم عليه البناء، فضلا عن سياقه، خصوصا إذا كنّا أمام مجتمع لم ينتج في تاريخه نظاما يقترب من الشفافية أو ينشدها لفرط البداوة وشحّ الموارد، ولم ينتج نظاما أو يعرفه، كما أكد ذلك الرحالة الفرنسي “ماج” في ملاحظاته، حيث أكد انعدام النظام ليس فقط في السياق السياسي فحسب بل في طبيعة الحياة بشكل عام وفي التعاطي مع الأمور والمسلكيات العامة، لذلك كان لزاما على الناظر في الشيء – أي شيء – أن ينظر في سياقه أولا ثم في مبررات وجوده وصولا إلى مبررات فعله وفاعليته.
في الهند يتبع النظام الفيدرالي أنموذجا خاصا في الانتخاب فهو يعطي الحق لكل ولاية في اختيار هيئة انتخابها الخاصة، وتولي تسير الانتخابات التي تفرز العمد والنواب وأعضاء مجلس الولاية، فضلا عن الباشنيات، وهي طريقة تتوافق جميع الإثنيات والفرق الحزبية عليها وتجد فيها مبرر انتاج القادة والحاكمين وممثلي الشعب، لأن المهم في هذه الوضعية والتي بات يخضع لها المزاج العالمي بشكل عام هو التوافق حول الآلية التي يتم بها انتخاب تلك الهيئات وتأسيسها.
من هذا المنطلق ندرك أن كيفية التوافق لا تعني من يفرزه الانتخاب في الأساس – انتخاب رئيس أو نائب أو عمدة – بل في شرعية الهيئة التي تُشرف على ذلك الانتخاب أو التي تسيره، ومن هنا كان لزاما استجابة للمنطق الذي رأينا السيّر فيه بداية أن نعود ولو قليلا لسياق التأسيس من أجل الإحاطة أكثر بأساسيات البناء وطبيعته، فضلا عن إمكانية تحقق الشرعية والمنشودة، تذكرا وانصافا للهيئة ودورها، فضلا عن محاولة فهم ما يجب أن ينتقد ومجالات التدخل وحدود الصلاحيات.
لقد تأسست اللجنة الوطنية سنة 2012 على خلفية حوار ضم الطيف السياسي، وطالب الطيف السياسي بها من أجل تحقيق الشفافية في الانتخابات وفصلها عن الداخلية، وتأسست بموجب القانون رقم 027-2012، وتتكون من سبعة حكماء يعينهم رئيس الجمهورية باقتراح من الأغلبية والمعارضة، يعني أن مختلف الطيف السياسي يكونون ممثلين في تلك اللجنة، التي تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية، ويؤدي أعضاؤها حسب القانون المنشئ لها اليمين أمام المجلس الدستوري، بينما يؤدي أعضاء الهيئات المتفرعة عن اللجنة اليمين أمام محكمة الولاية المختص، وأمينها العام يؤدي اليمين أمام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا.
وعلى ذلك الأساس فإن شروط التأسيس من حيث الأصل وافقت المطلب السياسي لها مختلف تشكيلاته، وهو ما يعني تحقق الشرعية في الأصل، وفي التداول بات أؤولائك الأعضاء يعينون حسب نفس الصيغة المشتملة على الوفاق والمنبثقة من أصل التأسيس واقعا، لكن إشكالية تسير الانتخاب بالعقلية الاجتماعية للمجتمع مختلف عن كل ذلك، وما علينا إلا النظر في مستوى الاستجابة لردات الفعل نحو الخروقات التي تصدر من هنا وهناك والمشتملة على حتمية الخطأ المصاحب للفعل البشري.
لقد تجاوبت اللجنة “هذه” مع مختلف ردات الفعل الشاذة والخاطئة بل واعترفت ببعض التجاوزات التي اطلعت عليها على لسان رئيسها متخذة في ذلك الإجراءات الصارمة والمناسبة، وهو ما يعني أن الخطأ مصاحب للثقافة العامة، وليس في تجسيدات الإدارة المحلفة.
يبقى الأمل في تطور العقليات العامة التي تتكيف بسلاسة مع واقع كهذا