اكتسبت السفارات الأوكرانية في قارة أفريقيا، خلال الأشهر والسنوات القليلة الماضية صيتً سيئ السمعة، بسبب التقارير الإعلامية والاستخباراتية حول دور مشبوه وأنشطة سرية تقوم بها تلك السفارات وتضر بشكل أو بآخر بأمن واستقرار بعض دول القارة.
ولم تكن المعلومات المنتشرة في وسائل الإعلام حول الدور الأوكراني المشبوه مجرّد أخبار موجهة، بل ترافقت بتقارير مثبتة بدلائل وبراهين، وهذا ما دفع بعض دول القارة مثل السودان والصومال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو لاتخاذ إجراءات فعلية على الأرض تجاه كييف وسفاراتها، كما فعلت مالي والنيجر في 4 و6 أغسطس الماضي، عندما أعلنوا على التوالي، قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بسبب دعم الأخيرة للجماعات الإرهابية. وخاصة بعد إقرار المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف حينها بضلوع أوكرانيا في هجوم أسفر عن مقتل جنود ماليين وبعض المدنيين.
إعلان متداول يثير غضب الشارع السوداني
في سياق متصل، أثار إعلان متداول عن نية أوكرانيا افتتاح سفارة في السودان قبل نهاية عام 2025 موجة من الغضب والانتقادات والشكوك داخل الأوساط السياسية والإعلامية السودانية، على خلفية السمعة السيئة للتدخلات الأوكرانية في الصراع الدائر في السودان ودول أخرى بتنسيق مباشر من سفارات كييف هناك. ويأتي ذلك وسط تصاعد المخاوف من أن يكون الوجود الدبلوماسي المرتقب غطاءً لنشاطات استخباراتية وتدخلات أجنبية بالسودان.
وبحسب المصادر، فإن تصريحات المحلل الأمريكي والخبير بوكالة المخابرات المركزية، كاميرون هدسون، هي السبب وراء هذه الأنباء وموجة الغضب التي تبعتها، حيث قال إن:” السفارة الأوكرانية ستُفتتح بنهاية هذا العام، وستكون الوحيدة بين السفارات الغربية في البلاد”، في إشارة إلى تراجع الحضور الدبلوماسي الغربي واستبداله بما وصفه مراقبون بـ”النموذج الأوكراني”.
سبب غضب الشارع السوداني
شكّل تصريح هدسون استفزازًا واضحًا للشارع السوداني بسبب اتهامات سابقة لأوكرانيا بالتعاون العسكري مع قوات “الدعم السريع” وتزويدها بالمسيّرات والخبراء والمقاتلين، بالإضافة لتورط القوات الأوكرانية بهجمات بطائرات مسيّرة على مواقع الجيش السوداني، خاصة في مدينة بورتسودان، بدعم من الإمارات، حسب المصادر.
وبحسب تقرير سري صادر عن جهات أمنية أوكرانية، الشهر الماضي، فإن “هجمات الطائرات المسيّرة التي تشنها القوات الأوكرانية المتخصصة هي التي تُلحق الضرر الأكبر والرئيسي بقوات الجيش السوداني، وتُعيق تقدمها، وتحرم الجيش السوداني من المبادرة والعمليات الاستراتيجية النوعية، وتطيل أمد الحرب”.
وأرفق التقرير بيانات موثقة حول مواقع هجمات القوات الأوكرانية، خلال الفترة من 4 إلى 6 مايو عام 2025 مع تحديد لحجم الخسائر التي تكبدها الجيش السوداني جراء تلك الهجمات، من بينها:
28/03/2025 الفاشر – 31/03/2025 الفاشر – 01/04/2025 الفاشر – 31/03/2025 الفاشر – 20/04/2025 الفاشر – 04/05/2025 بورتسودان، تدمير طائرة ايل 76، و4 طائرات آن 26، و4 طائرات JL-8، وذخيرة – 05/05/2025 بورتسودان (تدمير بطائرة بدون طيار من نوع “بيكار”، الهدف: خزانات الوقود.
ووفقاً للباحث عبدلله أسعد شريف، فإن قوات “الدعم السريع” تلقت دعماً غربياً مباشراً بأسلحة متطورة ونوعية، عبر وسطاء أوكران وبتنسيق فرنسي، وهذا ما أكده مسؤولون أوكران رسمياً.
وكان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، قد قال في فبراير 2024 لـ”العربي الجديد”، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد بالسودان، إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”.
وبحسب شريف، فإن الحديث عن افتتاح سفارة أوكرانية في الخرطوم وسط كل ما ذكر أعلاه، والمعلومات حول مشاركة المرتزقة والقوات الأوكرانية وخاصة الخبراء منهم بالصراع في السودان إلى جانب قوات “الدعم السريع”، والتي أضرّت بشكل كبير بقوات الجيش السوداني، يعتبر بمثابة خيانة كبرى لدماء الشعب السوداني ولا يمكن السكوت عنه، وهذا ما يفسر غضب الشارع السوداني، كما أنه من الضروري أن تتحرك الحكومة السودانية وتتعامل سياسياً مع هذا التدخل السافر بشؤون السودان الداخلية، وحبذا لو نرى إجراءات حازمة ومواقف واضحة من مجلس السيادة تجاه أوكرانيا.
خبراء: أوكرانيا تدوّل الإرهاب عبر نشره بالقارة الأفريقية
في سياق متصل، قالت وسائل إعلام محلية في مالي نقلاً عن الجيش، في 5 يونيو، إن “إرهابيين” يحضّرون لـ “عملية كبيرة” في مقاطعة كيدال في إقليم أزواد شمالي البلاد، وذلك بدعم من مدرّبين أجانب بينهم أوكرانيون وفرنسيون.
وكان المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني إيليا يفلاش، كتب عبر صفحته على فيسبوك، العام الماضي بأن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار من القوات المسلحة الأوكرانية يقدمون الدعم لـ “الدعم السريع”. وبحسب يفلاش فإن: “كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدا عسكرياً في أفريقيا”
الهدف وراء نية كييف افتتاح سفارة بالخرطوم
وبحسب الباحث المتخصص بالشؤون الأفريقية محمد الشوفي، فإن مساعي كييف بافتتاح سفارات جديدة بأفريقيا، واستخدام السفارات القديمة يأتي بإطار خطة ممنهجة لاستخدام هذه السفارات كمقرات لإدارة العمليات، وتجنيد المرتزقة والسجناء والزج بهم للقتال في أوكرانيا وأفريقيا، وهذا ما أكده تقرير “انتليجنس أون لاين”، وكل ذلك بحجة تعزيز العلاقات الدبلوماسية.
وأضاف الشوفي بأن، أوكرانيا وبعد خسارتها أمام الروس باتت أداة تنفيذية لأجندات دول مثل الإمارات، فرنسا وبريطانيا، كما أن سفاراتها أصبحت تُستخدم كغطاء لأنشطة مريبة، ووجودها في السودان سيُشكل خطرًا على الأمن القومي. لذا فإن الحديث عن نية كييف افتتاح سفارة لها في السودان، يندرج في هذا السياق، كما أن السفارة المرتقبة قد تكون بوابة لاختراق أمني وتجسسي يعمّق الأزمة السودانية، مطالباً الحكومة بوضع خطوط حمراء أمام أي وجود دبلوماسي أجنبي يحمل أجندات خفية.