اعترف الاقتصاديون بالمخاطر المحتملة لسياسات الاقتصاد الكلي التي تُركّز على تحفيز النمو الاقتصادي فقط، والمشكلات التي ينطوي عليها استخدام الناتج المحلي كمقياس للرفاهية الاقتصادية، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى تم تعزيز وتطوير تدابير بديلة لقياس الرفاهية ولصنع السياسات.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان تعزيز النمو هو السياسة الوطنية الرئيسة لغالبية الدول. لكنَّ هذا التركيز على الناتج المحلي الإجمالي ودوره في تشكيل القرارات الاقتصادية والسياسية أمر عفا عليه الزمن؛ فهو يقيس معاملات السوق فقط، ولا يقيس رفاهية الدولة أو التقدم الاجتماعي. فأعطت البلدان المتقدمة الأولوية لأهداف أخرى –مثل: المناخ، والصحة، والتعليم، والسعادة، والرضا عن الحياة، والمساواة- على نمو الناتج المحلي الإجمالي، مستهدفةً التقدم البشري وليس الاقتصادي فقط. إلا أنه من الخطأ فرض هذا التحول في التركيز من النمو إلى الازدهار على البلدان النامية. فهو لا يزال أقوى أداة للحد من الفقر، ولكنَّ التركيز فقط على النمو يأتي بنتائج عكسية. فعدم المساواة في الدخل يُعيق النمو طويل الأجل. وبالتالي، ينبغي للبلدان النامية أن تعطي الأولوية لجعل نموّها عادلًا ومستدامًا. ومنه تم إنشاء العديد من المقاييس لتحديد أفضل مسارات التنمية، مع معايير لتتبُّع تقدُّمها، وتستخدم الناتج المحلي الإجمالي للفرد عاملاً مهمًّا في تصنيفاتها)[1]( .
وقياس الرخاء هو مؤشر على مدى التقدم الاجتماعي في بلدٍ ما، ومع زيادته سيتم تحقيق أهداف النمو والتنمية، في ظل عدم كفاية طريقة الدخل مع تزايد العولمة. لذلك، كانت هناك حاجة إلى استخدام طرق جديدة لقياس الازدهار، منها مؤشر الازدهار العالمي؛ والذي تم تطويره من قبل معهد Legatum عام 2007م([2]).
ولذلك تسعى هذه الدراسة التحليلية للإجابة عن إشكالية مهمة مفادها: “ما موقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الازدهار العالمي 2023م؟”.
وهذا التساؤل الرئيس يتفرع بدوره إلى الأسئلة الفرعية التالية:
ما هي الرفاهية الاقتصادية؟ وما هي أهم مؤشراتها؟
ما هو مؤشر الازدهار العالمي؟ وما هي أهم ركائزه؟
ما هو موقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشر؟
الهدف من الدراسة:
تستهدف الدراسة:
التعرف على أهم مؤشر من مؤشرات الرفاهية، وهو مؤشر الازدهار العالمي، ورصد أهم اتجاهات مؤشرات الرفاهية في العالم بشكل مختصر، وفي بلدان إفريقيا جنوب الصحراء تفصيلًا.
التعرف على الفجوة التي تفصل بين بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ودول العالم.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية الدراسة من خلال:
التنبيه إلى ضرورة مواكبة التغيرات الحاصلة في قياس تنمية ورفاهية الأفراد والمجتمعات.
دراسة أهم مؤشر من مؤشرات الرفاهية؛ ألا وهو مؤشر الازدهار العالمي.
لفت الانتباه لإمكانية التقليل من الفجوة الكبيرة التي تفصل الدول النامية عن البلدان المتقدمة.
منهج الدراسة:
تم استخدام المنهج الوصفي في بيان مفهوم الرفاهية ومؤشر الازدهار، والمنهج التحليلي من خلال تحليل مؤشرات الازدهار العالمي، والمنهج المقارن لدراسة الفوارق بين الاقتصادات.
تقسيم الدراسة:
يتم تقسيم الدراسة إلى أربعة محاور رئيسة هي:
المحور الأول: الرفاهية الاقتصادية ومؤشرات قياسها مع التركيز على مؤشر الازدهار العالمي.
المحور الثاني: موقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الازدهار مقارنة بمناطق العالم خلال الفترة 2013-2023م.
المحور الثالث: تحليل مؤشر الازدهار العالمي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2023م.
المحور الرابع: أبرز الملامح القُطْريَّة لأداء مؤشر الازدهار العالمي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2023م.
خاتمة.
المحور الأول
الرفاهية الاقتصادية ومؤشرات قياسها مع التركيز على مؤشر الازدهار العالمي
أولًا: مفهوم الرفاهية في الاصطلاح الاقتصادي
الرفاهية هي “ذلك الجزء من التقدّم والراحة الاجتماعية الذي تحكمه وتؤثر به العوامل الاقتصادية، في ضوء الإمكانات المتاحة؛ من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، وبغرض تحقيق أكبر إشباع ممكن من السلع والخدمات لعموم المجتمع”. وهناك مَن عرَّفها بأنها: “الوفرة في السلع والخدمات التي يعتاد الناس مبادلتها بالنقود”.
كما تعني الرفاهية في الاقتصاد: “النتائج الاجتماعية التي يمكن قياسها موضوعيًّا في النظرية الاقتصادية كالدخل القومي، أي أن تدفق السلع والخدمات يقترن اقترانًا مباشرًا بالرفاهية، وكلما ازداد الدخل القومي وازدادت المساواة في توزيعه عظمت رفاهية المجتمع الاقتصادية”. كما يُعنَى اقتصاد الرفاهة بدراسة وتقييم الكفاءة الاقتصادية والنظم المتعلقة بتوزيع الموارد، بما يؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من المنفعة الاجتماعية، وتوفير الظروف التي بفضلها تحقق السياسات الاقتصادية الرفاهية للمجتمع، وتستدعي هذه السياسات التدخل لتشجيع المشروعات المنتجة وعدالة التوزيع([3]).
ويمكن تعريف كلمة “الرخاء” على أنها: “العيش في البذخ والراحة والثروة”. وفي كل بلد الهدف الرئيس هو زيادة ازدهار المجتمع إلى جانب النمو الاقتصادي. والنمو الاقتصادي ضروري لضمان الازدهار، لكنّ النمو الاقتصادي لا يعني زيادة الرخاء. بالإضافة إلى النمو، فإن التقدم مطلوب في العديد من المجالات مثل التحول الاقتصادي والتعليم والصحة والعدالة والديمقراطية والتوزيع العادل للدخل ([4]).
وقد ارتبط مفهوم الرفاهية الاقتصادية بتطور الاقتصاد الذي يسعى لتحسين أوضاع الناس وظروفهم المعيشية، منذ المدينة الفاضلة لكل من أفلاطون وأرسطو وابن خلدون، إلى الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية الحديثة؛ حيث تسعى المجتمعات إلى الاستفادة القصوى من الطبيعة المحيطة بها، لتسخيرها وإشباع حاجاتها جميعًا، وهذا الجهد المبذول يُمثِّل جانبًا مهمًّا من البحث في الرفاهية الاقتصادية التي تسعى إلى العيش الكريم، وتقليل التفاوت بين الطبقات والفئات في المجتمع، عن طريق إعادة توزيع الدخل، وبلوغ درجة معينة من العدالة الاجتماعية.
وقد ظهرت العديد من المؤشرات الاقتصادية العالمية التي اهتمت بقياس الرفاهية الاقتصادية؛ منها: مؤشر التنمية البشرية، ومؤشر السعادة العالمي، ومؤشر التقدم الاجتماعي، ومؤشر الازدهار العالمي([5]).
ثانيًا: مؤشر الازدهار العالمي “The Legatum Prosperity Index”.. الركائز والأهمية
هو من أكثر المؤشرات التي تهتم بها الدول، وتعكس مهارتها في تحقيق رخاء وازدهار مجتمعها، اعتمده معهد ليجاتوم (Legatum) البريطاني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية منذ عام 2007م، ويصدر بشكل سنويّ. وهو مقياس واسع للنجاح الوطني الذي ينظر لما وراء الناتج المحلي الإجمالي. ويقيس المؤشر جهود 167 دولة. ويحسب تقديراته لرخاء وازدهار الدولة عبر 12 محورًا.([6]) تتراوح درجاته بين 1 و100 درجة.
ويتألف مؤشر الازدهار العالمي من ثلاثة مجالات رئيسة كلّ منها يضم أربعة مؤشرات فرعية تُشكّل الأعمدة الاثني عشر التي يتكون منها المؤشر، وتضم هذه الأعمدة سبعة وستين عنصرًا، كالآتي([7]):
أولاً: المجتمعات الشاملة، ويضم هذا المؤشر المؤشرات الفرعية الآتية:
أ- الأمن والسلامة؛ ويضم العناصر الآتية: (الحرب والصراع الأهلي، الإرهاب، الإرهاب والعنف المرتبطان سياسيًّا، جرائم العنف، وجرائم حقوق الملكية).
ب- الحرية الشخصية؛ ويضم العناصر الآتية: (حرية التجمع وتكوين الجمعيات، حرية التعبير والدخول إلى المعلومات، وعدم وجود تمييز قانوني).
ت- الحوكمة؛ ويضم العناصر الآتية: (القيود التنفيذية، المساءلة السياسية، قواعد القانون، نزاهة الحكومة، فعالية الحكومة، الجودة التنظيمية، والثقة المؤسسية).
ث- رأس المال الاجتماعي؛ ويضم العناصر الآتية: (العلاقات الشخصية والعائلية، الشبكات الاجتماعية، الثقة الشخصية، التسامح الاجتماعي، والمشاركة المدنية والاجتماعية).
ثانيًا: الاقتصادات المفتوحة، ويضم هذا المؤشر المؤشرات الفرعية التالية:
أ- بيئة الاستثمار، وتضم العناصر الآتية: (حقوق الملكية، حماية المستثمر، تنفيذ العقود، تمويل النظام البيئي، والقيود على الاستثمار الدولي).
ب- شروط المشروع؛ ويضم العناصر الآتية: (المنافسة في السوق المحلية، بيئة إنشاء الأعمال، عبء التنظيم، مرونة سوق العمل، وتشوهات الأسعار).
ت- البنية التحتية والوصول إلى الأسواق؛ ويضم العناصر الآتية (تشوهات الأسواق، حواجز تعريفة الاستيراد، حجم السوق المفتوح، إدارة الحدود، النقل، الماء، الطاقة، والاتصالات).
ث- جودة الاقتصاد؛ ويضم العناصر الآتية: (مشاركة القوى العاملة، الديناميكية، الإنتاجية والتنافسية، مدى استقرار الاقتصاد الكلي، والاستدامة المالية).
ثالثًا: تمكين الأشخاص:
ويضم هذا المؤشر المؤشرات الفرعية الآتية:
أ- شروط المعيشة؛ ويضم العناصر الآتية: (الموارد المادية، التغذية، الخدمات الأساسية، المأوى، الترابط، والحماية من الأذى).
ب- الصحة؛ ويضم العناصر الآتية: (عوامل الخطر السلوكية، التدخلات الوقائية، أنظمة العناية، الصحة النفسية، والصحة الجسدية).
ت- التعليم؛ ويضم العناصر الآتية: (مهارات البالغين، التعليم قبل الابتدائي، التعليم الابتدائي، التعليم الثانوي، والتعليم العالي).
ث- البيئة الطبيعية؛ ويضم العناصر الآتية: (الانبعاثات، التعرض لتلوث الهواء، الغابات والأرض والتربة المحيطات، المياه العذبة، وجهود الحفظ).
وتتحدد أهمية المؤشر من خلال تركيبته؛ حيث يعتمد في تقييمه للدول على مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتربوية التي تشكل الرفاهية في أيّ دولة. والغرض من تقييم الدول وتحديد تسلسلها وعرض درجة تقييمها في هذا المؤشر هو تسليط الضوء على نقاط قوتها وضعفها ككيان حضاري لتقييم السياسات المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، ويتحقق ذلك من خلال تحديد الخيارات الاقتصادية التي يجب القيام بها لمواصلة بناء مجتمعات شاملة، وفتح المجال أمام الابتكار وتمكين الناس من تحقيق الرخاء والازدهار. ويعتمد المؤشر في بياناته على قواعد بيانات عالمية تشمل ما تنشره بعض المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، وبعض المنظمات غير الحكومية والمراكز المستقلة.([8])
المحور الثاني
موقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
في مؤشر الازدهار مقارنة بمناطق العالم خلال الفترة 2013-2023م
بشكل عام؛ تدهورت البلدان الأربعون الأدنى في المؤشر (منها 30 دولة إفريقية جنوب الصحراء) في ستة من أصل اثني عشر محورًا، بينما شهدت المجموعة تحسنًا في بعض المجالات، ولم يكن التقدم فيها سريعًا بما يكفي للحاق ببقية العالم.
كان تدهور الحريات المدنية في العديد من البلدان، ومنها العديد من الديمقراطيات الهشَّة، هو أكثر الاتجاهات إثارةً للقلق. والخلاصة؛ أن الاحتياجات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والظروف المعيشية يتم تلبيتها أكثر من أيّ وقت مضى على مستوى العالم. والدول العشر الأولى في المؤشر تقع في أوروبا، وسبعة من البلدان العشرة الأدنى في الترتيب تقع في إفريقيا([9]).
وقد أبرز الأداء المتفاوت للمناطق الثمانية مثالًا على كيفية تطوُّر الازدهار في العالم. وقد كانت أبرز الدرجات في شرق آسيا والمحيط الهادئ ووسط وجنوب آسيا. في حالة شرق آسيا والمحيط الهادئ، كان الصعود مدفوعًا بالنمو في ركائزها الاقتصادية وفي ظروف المعيشة. أما بالنسبة لوسط وجنوب آسيا، فكانت هناك تحسينات كبيرة في الرعاية الصحية والحد من الفقر. مثال آخر على الصعود القوي هو أوروبا الشرقية، مع أكبر التحسينات في رأس المال الاجتماعي في العالم. وفي الجزء العلوي من المؤشر، تحسن الازدهار في أوروبا الغربية بشكل أسرع قليلًا منه في أمريكا الشمالية التي تراجعت في السنوات الأخيرة عن المركز الأول بسبب تدهور السلامة والأمن. وهناك العديد من المناطق التي استقر فيها نمو الازدهار. ومنذ عام 2013م، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ركودًا بسبب تدهور الأمن والسلامة والحوكمة. وكانت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي هي المنطقة الوحيدة التي تراجعت على مدى عشر سنوات. ويرجع ذلك إلى ضعف الاقتصادات وتزايد الاستبداد والفساد([10]).
أما إفريقيا جنوب الصحراء، ومع تحسُّنها فقد كانت أبعد من المتوسط العالمي عما كانت عليه قبل عشر سنوات. فبينما تُحرز تقدمًا جيدًا في مجالات مثل الظروف المعيشية والصحة والتعليم؛ إلا أنه أبطأ من المناطق الأخرى، مع أنها شهدت تقدمًا طفيفًا من الناحية الاقتصادية وفي تطوير مؤسساتها([11]). كما يُظهر المؤشر أن أدنى 40 دولة تبتعد عن بقية الدول في سيادة القانون وفعالية الحكومة([12]).
ويخلص مؤشر إبراهيم للحوكمة الإفريقية إلى أن عقدًا من التقدم في مجال الحكم في إفريقيا مُهدّد بالتراجع الديمقراطي وتدهور الأمن. بالإضافة إلى ذلك ساء أيضًا مدى مشاركة الجيش في سيادة القانون والسياسة في جميع المناطق. وفقًا لمؤسسة فريدوم هاوس؛ شهدت الأنظمة الاستبدادية انتهاكات لحقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد النشطاء السياسيين. وقد شهدت العديد من البلدان الإفريقية سيطرة ضباط عسكريين على الحكم. في العامين السابقين لعام2023م، وأثرت الانقلابات العسكرية على مالي وغينيا وبوركينا فاسو والسودان. حيث أدَّى انقلاب 2021م في السودان إلى إعلان الأمين العام للأمم المتحدة “وباء” الانقلابات في إفريقيا. مع تزايد المشاركة العسكرية في الحكم. يتصاعد الصراع أيضًا، ويوجد مع صدور التقرير 27 صراعًا نشطًا حول العالم، ولم يتم تصنيف نزاع واحد على أنه يتحسَّن. نصيب إفريقيا جنوب الصحراء وآسيا سبعة صراعات لكل منهما. وهذا يعني أن ملياري شخص، أو ربع سكان العالم، يعيشون حاليًا في المناطق المتضررة من النزاعات، وسيحتاج ما لا يقل عن 274 مليون شخص إلى المساعدات الإنسانية([13]).
ووفقًا لمعهد ليجاتوم؛ فإن الاختبار الحاسم لمساءلة الحكومات ونزاهة القادة هو ما إذا كان يمكن نقل السلطة سلميًّا. ربما ليس من المستغرب أن يكون لإفريقيا جنوب الصحراء أربعة من أطول الرؤساء بقاءً في الحكم في العالم؛ حيث ظل كل زعيم منهم في السلطة لمدة 37 عامًا في المتوسط؛ حيث حكم رئيس غينيا الاستوائية تيودور أوبيانغ نغويما، وبول بيا (الكاميرون)، ودينيس ساسو نغويسا (الكونغو برازافيل)، ورئيس أوغندا يويري موسيفيني لمدة 150 عامًا معًا([14]).
كما شهدت السنوات العشر الماضية 2013-2023م زيادة فجوة البنية التحتية. فلم تستطع البلدان الـ40 الأدنى اللحاق بالمجموعات المتوسطة ولا العليا، باستثناء البنية التحتية للمياه فهي العنصر الوحيد الذي تلحق فيه المجموعة السفلية بالباقي([15]).
كما شهدت كل المناطق زيادة في الدَّيْن الحكومي؛ حيث ارتفع من 52% إلى 76% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط. في إفريقيا جنوب الصحراء، تضاعف تقريبًا، من 32% إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي، ومعظمه مُقوَّم بالعملات الأجنبية. كانت غانا واحدة من أكثر البلدان تضررًا، وبعد ارتفاع معدلات التضخم، كان عليها إعادة هيكلة ديونها المالية بدعم من صندوق النقد الدولي. وواجهت ملاوي وضعًا مماثلًا؛ حيث وصلت ديونها إلى مستويات لا يمكن تحمُّلها. ومِن ثَمَّ، فإن عام 2023م يُمثل توقعات اقتصادية صعبة، تتسم بتباطؤ كبير في النمو في الاقتصاد العالمي، إلى جانب ارتفاع التضخم في العديد من البلدان. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2,2%([16]).
وبينما ارتفعت مشاركة الإناث في سوق العمل على مستوى العالم، انخفضت في بعض المناطق، وعلى الأخص في وسط وجنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء. وتشير الدراسات إلى أن عمالة الإناث انخفضت بشكل أسرع من الذكور خلال وباء كورونا. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن المرأة كانت تعمل في المجالات الأكثر تضررًا، مثل الضيافة، فضلاً عن تحمُّلها مسؤوليات إضافية أثناء الوباء، بما في ذلك زيادة رعاية الأطفال، مما قد يمنعهن من العودة إلى العمل. كانت جنوب إفريقيا واحدة من البلدان التي شهدت زيادة في بطالة الإناث بعد الوباء مع ما يقرب من نصف النساء (47%) من القوى العاملة؛ فإن جنوب إفريقيا لديها ثالث أعلى معدل بطالة بين الإناث في العالم([17]).
ومع زيادة مؤشرات الصحة والتعليم وظروف المعيشة حول العالم، شهدت جميع المناطق أيضًا تقدُّمًا في جميع ركائز تمكين الأشخاص، باستثناء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء في البيئة الطبيعية، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في مجال الصحة. في حين كانت السنوات القليلة السابقة لعام 2023م قاتمة، تستمر الصحة في التحسن. كانت البلدان الأقل ازدهارًا في عام 2013م تتقارب مع أكثر البلدان ازدهارًا في الصحة.
فعلى مدى السنوات العشر الماضية، حققت المنطقة الأضعف أداءً، وهي إفريقيا جنوب الصحراء، بعض المكاسب. شهدت الدول الأربعون الأدنى مستوى في متوسط العمر المتوقع عند 60 زيادة من 76,1 إلى 77 عامًا، وانخفضت معدلات الوفيات عبر جميع مراحل الحياة في المجموعة. إحدى المناطق التي كان لهذا المحور تأثير كبير فيها هي منطقة إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث انخفض معدل وفيات الأمهات على مدى عشر سنوات من 608 إلى 514 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية.
وفي الوقت نفسه، انخفض المتوسط العالمي من 164 إلى 138 في نفس الفترة، وهو انخفاض يقل أربع مرات تقريبًا عن ذلك الذي حدث في إفريقيا جنوب الصحراء. وبالمثل، تحسنت التدخلات الوقائية خلال العقد؛ حيث حققت بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء قفزات كبيرة بشكل خاص في مستويات التطعيم؛ حيث ارتفعت مستويات التطعيم في تشاد بنسبة 8% منذ عام 2019م، وسط وباء كورونا. ومن العوامل التي سمحت لتشاد بتحقيق ذلك التغيير؛ الاستثمار في معدات التبريد، وتوظيف العاملين في مجال الرعاية الصحية. وبينما شهدت التدخلات الوقائية تحسنًا، ظهرت مؤخرًا بعض علامات التدهور، ففي حين أن معدلات التطعيم ضد الحصبة تحسنت من 81% في عام 2008م إلى 86% في عام 2018م، فإنها تتراجع مؤخرًا. بشكل عام تباطأ معدل تقدُّم إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا سيما في مجال التحصين ضد الحصبة والتهاب الكبد([18]).
ويشير التقرير إلى أن الاتجاه العالمي المثير للقلق هو تراجع الممارسات الديمقراطية، وتدهور الحريات المدنية في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، انخفض المستوى الذي تم تقييد السلطات التنفيذية إليه فعليًّا من قبل السلطة القضائية والسلطة التشريعية في كل منطقة بخلاف أوروبا الغربية. وينطبق الشيء نفسه على الحريات المدنية. وعلى مدى العقد الماضي، تدهورت الحريات الشخصية، فيما يصل إلى 108 دول مع تزايد العداء تجاه حرية التجمع وتكوين الجمعيات وفي مجال التنوع السياسي ووجهات النظر الإعلامية. مع تعرُّض حرية التعبير للتهديد، وانتشار الرقابة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم بما في ذلك البلدان الديمقراطية. ويشير التقرير إلى أن “تراجع المؤسسات الديمقراطية يأتي في وقت يواجه فيه النظام الدولي الليبرالي تحديًا حقيقيًّا لأول مرة منذ الحرب الباردة من قبل جهات فاعلة مثل الكرملين وبكين” ([19]).
ومن بين الأربعين الأدنى، عانى 12 بلدًا من تدهور الرخاء؛ حيث ساءت مؤشرات السلامة والأمن في تلك البلدان التي تحتل المرتبة الأخيرة في المؤشر، كما يوجد عدد أقل من الأشخاص في القوى العاملة عما كان عليه قبل عشر سنوات([20]).
وفي حين أن الصفقات التجارية المكثفة سمحت للدول المزدهرة بالوصول إلى ما يقرب من نصف أسواق العالم؛ فإن الدول الأربعين الأدنى لديها إمكانية الوصول إلى أقل من الثلث. ويشير التقرير إلى أن نطاق الصفقات التجارية لتلك المجموعة زاد من 8% إلى 12% فقط من الاقتصاد العالمي.
في المقابل، زادت الدول الأربعون الأولى من وصول صفقاتها التجارية إلى الأسواق الخارجية للسلع من 31% من الاقتصاد العالمي إلى 45%. هناك أيضًا نقاط ضعف طويلة الأجل في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك انخفاض الإنتاجية وارتفاع البطالة.
على سبيل المثال، كان هناك تباطؤ طويل الأجل في الإنتاجية، وباستثناء آسيا، فإن البلدان التي تقع في أسفل المؤشر لم تلحق بباقي دول العالم في الإنتاجية. بينما تستمر الإنتاجية في الدول الآسيوية في الارتفاع، إلا أنها ظلت ثابتة في إفريقيا، وتتدهور في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى اليوم، ينتج العامل العادي سلعًا وخدمات بقيمة 11700 دولار سنويًّا، مقابل 600 دولار فقط قبل عشر سنوات مضت. في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ينتج العامل العادي أقل مما كان ينتجه قبل عشر سنوات([21]).
وبتحليل الجدول رقم (1) نجد أن بلدان إفريقيا جنوب الصحراء تشغل المركز الأخير بين مناطق العالم الثماني، وذلك خلال الفترة 2013-2023م. محققة متوسط درجات بلغ 44,03 درجة مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 59,70، وبمعدل نمو عن عام 2022م بلغ 0,09% وبدرجة 44,07 مقابل 60,38 لعام 2023م عالميًّا، ونمو بلغ 0,17%. متخذًا شكل صعود تدريجي بطيء جدًّا بنفس الأداء العالمي، كما يبينه شكل (1).
جدول (1)
مؤشر الازدهار العالمي في مناطق العالم الثماني خلال الفترة
ومتوسطه خلال الفترة 2013-2023م ومعدل نموه
المصدر: معهد ليجاتوم، مؤشر الازدهار العالمي لعام 2023م، مع إجراء بعض الحسابات على بياناته عن طريق الباحث.
شكل (1)
تطور مؤشر الازدهار العالمي في إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالمتوسط العالمي في الفترة 2013-2023م
المصدر: الباحث من معهد ليجاتوم، مؤشر الازدهار العالمي لعام 2023م، مع إجراء بعض الحسابات على بياناته عن طريق الباحث.
المحور الثالث
تحليل مؤشر الازدهار العالمي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2023م
أظهر مؤشر الازدهار لعام 2021م أن “الازدهار قد تحسن في إفريقيا جنوب الصحراء للعام الحادي عشر على التوالي”، مع انخفاض معدل الفقر المدقع من 49,9% إلى 42,3%؛ حيث شهدت 40 دولة من أصل 49 دولة في المنطقة زيادة في الازدهار منذ عام 2011م، وكان هذا التغيير مدفوعًا جزئيًّا بالتحسينات في أنظمة الرعاية الصحية؛ حيث زادت تغطية العلاج المضاد للفيروسات من 18% إلى 61% في السنوات العشر السابقة لعام 2022م. وعلى الرغم من ركود الازدهار العالمي للعام الثاني على التوالي (2021-2022م)، كانت إفريقيا جنوب الصحراء واحدة من منطقتين فقط خالفتا هذا الاتجاه في عام 2021م مع “تقدم متواضع ولكنه ثابت” في مجالات الصحة ومستويات التسامح الاجتماعي والبنية التحتية.([22])
بينما يكشف مؤشر الازدهار لعام 2023م أن “الازدهار العالمي قد استقر للعام الثالث على التوالي”؛ نتيجة لضعف المؤسسات والاقتصادات. يُظهر المؤشر أن الرخاء في إفريقيا جنوب الصحراء قد استمر في النمو، لكنه يتخلف عن بقية العالم أكثر مما كان عليه قبل عشرة سنوات. من بين 49 دولة شملها التقرير، شهدت 39 دولة نمو نِسَب الازدهار خلال الفترة 2013-2023م، وعدم إحراز تقدم في المؤسسات السياسية والاقتصادية يُعيق ازدهار المنطقة.
بشكل عام، شهدت المنطقة تحسنًا في ازدهارها في السنوات العشر الماضية. على وجه الخصوص، شهدت أكبر تقدُّم في البنية التحتية، والوصول إلى الأسواق، كما في غينيا وبوتسوانا والغابون. وتشمل أهم التحسينات ما يلي([23]):
انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1,90 دولار في اليوم من 47,2% إلى 36,4%.
انخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 98 حالة وفاة لكل 1000 طفل إلى 70,6 حالة وفاة.
ارتفعت معدلات إتمام المرحلة الابتدائية من 56% إلى 65%.
في الوقت الذي انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 5,50 دولار في اليوم على مستوى العالم من 57% إلى 47%، انخفضت إلى النصف في شرق آسيا والمحيط الهادئ من 56% إلى 28%. وارتفعت نسبة الأطفال الذين يكملون المرحلة الإعدادية من 74% إلى 80%. في وسط وجنوب آسيا ارتفع من 68% إلى 79%. بينما انخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 37 حالة وفاة إلى 26 حالة وفاة لكل 1000 طفل ([24]).
وشهدت المنطقة أكبر تدهور في مجال السلامة والأمن من بين جميع المناطق، مع تدهور في مالي وجنوب السودان والكاميرون بأكبر معدل. وعلى وجه الخصوص، فإن زيادة الإرهاب والصراع الأهلي هي التي أدت إلى تراجع المحور. على سبيل المثال([25]):
ارتفع عدد الوفيات بسبب النزاعات إلى ثلاثة أضعاف إلى 24000.
ارتفع عدد الوفيات بسبب الإرهاب من 800 إلى 9000.
شهدت 36 دولة من أصل 49 دولة إفريقية تدهورًا في حرية التجمع وتكوين الجمعيات.
المنطقة أيضًا ضعيفة اقتصاديًّا، على سبيل المثال:
ارتفع الدين الحكومي من 32% إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط.
ارتفعت بطالة الشباب من 12,1% إلى 15,4%.
انخفض معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي من 3,1% إلى 0,3%.
وبتحليل أداء المحاور الاثني عشر الرئيسة المكونة للمؤشر وفقًا للجدولين (2) و(3)؛ يمكن تحليلها من خلال:
– مؤشر الأمن والسلامة: فقد ظلت المنطقة في المتوسط تحتل المركز السابع خلال الفترة 2013-2016م، متقدمة إلى المركز السادس عام 2017م، ومتراجعة مرة ثانية إلى المركز الثامن خلال الفترة 2017-2023م، بمتوسط 43 درجة مقابل 51,60 كمتوسط عالمي. وبمعدل نمو بلغ 0,35% عن عام 2022م محققة 41,02 درجة عام 2023م. في حين بلغ النمو العالمي 0,43% محققًا 51,80 درجة عام 2023م؛ حيث حققت ثلاثة مؤشرات مكونة للمحور معدلات نمو سالبة من أصل خمسة، مع أداء ضعيف في المتوسط لمؤشري الإرهاب والعنف المرتبط بالسياسة والجريمة العنيفة. مع أداء جيد لمؤشر الإرهاب وجرائم الملكية.
– الحرية الشخصية: احتلت المنطقة المركز السادس خلال الفترة 2013-2018م، متقدمة إلى المركز الخامس خلال الفترة 2019-2023م. بمتوسط 49,14 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 56,74. مع تدهورها في عام 2023م بمقدار 2,08% مقارنة بعام 2022م؛ حيث بلغت 49,39 درجة عام 2022م و48,36 درجة عام 2023م. متخذة نفس الأداء العالمي الذي تراجع بمقدار 0,64% محققًا 54,38 درجة عام 2023م. ويتمثل سبب هذا التراجع عن عام 2022م في أن مكونات المحور الأربعة قد حققت تراجعًا، وبالأخص حرية التجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، وحرية التعبير والحصول على المعلومات.
– الحكم: ظلت المنطقة في ذيل الترتيب العالمي خلال الفترة 2013-2018م؛ متقدمة إلى المركز السابع في باقي فترة التحليل. بمتوسط 39,56 مقارنة بمتوسط عالمي 44,32، وبمعدل نمو 0,31% مقارنةً بتراجع عالمي في المتوسط بمقدار 0,51%. في حين حققت عام 2023م (39,48) مقارنة بمتوسط عالمي لعام 2023م بلغ 43,41. وكان هذا التراجع بفعل أن مؤشري القيود التنفيذية والفعالية الحكومية حققتا تراجعًا عن عام 2023م، مع نمو طفيف في باقي المكونات الخمسة.
– رأس المال الاجتماعي: أفضل أداءً بين المحاور الاثني عشر المكونة للمؤشر؛ حيث احتلت المنطقة المركز الخامس خلال الفترة 2013-2017م، متقدمة إلى المركز الرابع عام 2018م متراجعة إلى المركز الخامس والسادس عامي 2019 و2020م على التوالي والسابع في عامي 2021م و2022م والسادس عام 2023م بين مناطق العالم. بمتوسط 47,92، وهو أكبر من المتوسط العالمي خلال نفس الفترة والبالغ 45,58، وبمعدل نمو سلبي بلغ 0,31% عن عام 2022م محققًا 49,29 درجة عام 2023م، مقابل نمو عالمي 2,16% ودرجة 49,08 عام 2023م. حيث ظلت درجة المؤشر للمنطقة أكبر من المتوسط العالمي من حيث متوسط الفترة أو مقارنة بالمتوسط العالمي عام 2023م على الرغم من تحقيقها معدل نمو سلبي في إفريقيا جنوب الصحراء ونمو موجب عالميًّا في المتوسط. حيث كان سبب التراجع عن عام 2023م التراجع في مؤشرات العلاقات الشخصية والأسرية والثقة الشخصية، والتراجع الحاد في المشاركة الاجتماعية والمدنية. على الرغم من التقدم البارز في مؤشر الشبكات الاجتماعية.
– بيئة الاستثمار: قبعت المنطقة في المركز الأخير في المؤشر بين مناطق العالم بمتوسط بلغ 39,69، مقابل متوسط علمي بلغ 47,82، بمدل نمو سلبي 2,09% عن عام 2022م، وبدرجة 38,92 درجة عام 2023م. مقابل نمو عالمي سالب بلغ 1,06% عن عام 2022م، وبدرجة 48,17 عام 2023م. ويعود ذلك إلى النمو السالب في المكونات الخمسة للمحور، وخاصة التراجع الحادّ في مؤشر القيود المفروضة على الاستثمار الدولي، والذي بلغ مقدار التراجع فيه 14,89% عن عام 2022م.
– مناخ الأعمال: احتلت المنطقة المركز السابع في السنوات 2013م، 2017م، 2019م، والأخير في باقي سنوات فترة التحليل، بمتوسط بلغ 46,61 درجة مقابل متوسط عالمي 49,69. وبمعدل نمو عن عام 2022م بلغ 0,29% ودرجة 46,22 في عام 2023م، ومعدل نمو عالمي بلغ 0,15% ودرجة 50,32 عام 2023م. حيث ظل أداء المكونات الخمسة للمؤشر ثابتًا باستثناء التراجع في عبء التنظيم.
– البنية التحتية والوصول إلى الأسواق: احتلت المنطقة المركز الأخير خلال الفترة 2013-2023م، بمتوسط 34,56 مقارنة بمتوسط عالمي 48,76، وبمعدل نمو 1,17% أكبر من معدل النمو العالمي البالغ 0,68%، وحققت عام 2023م درجة بلغت 38,03، مقابل درجة عالمية بلغت 52,15. ويتكون من ثمانية مكونات، كان أبرز الأداء في مجال الاتصالات والسوق المفتوح، مع أداء سلبي في الطاقة وتشوهات السوق، وثبات الباقي عن عام 2022م.
– جودة الاقتصاد: ظلت المنطقة في المركز الأخير منذ عام 2013م، بمتوسط 40,59 مقارنةً بمتوسط عالمي بلغ 47,96، بمعدل نمو عن عام 2022م بلغ 1,17% أكبر من النمو العالمي البالغ 1%. محققة عام 2023م 40,21 مقارنة 47,77 عالميًّا؛ حيث تحسَّنت مؤشرات استقرار الاقتصاد الكلي، والدينامية، والإنتاجية والقدرة التنافسية على التوالي، مع تراجع في استقرار المالية العامة وإشراك القوى العاملة.
– الظروف المعيشية: على الرغم من تحسُّنها عن عام 2022م؛ حيث بلغ معدل نمو المؤشر 1,67% أكبر من النمو العالمي البالغ 0,67%؛ إلا أن المنطقة احتلت المركز الأخير خلال الفترة 2013-2023م بمتوسط 42,45، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 61,54، وبدرجة بلغت 44,53 عام 2023م، وعالميًّا بلغت 62,93. ويرجع الأداء الأفضل عن عام 2022م بشكل أساسي إلى التحسينات المحققة في مؤشرات المأوى والترابط، مع ثبات أو تراجع باقي المؤشرات الأربعة بشكل طفيف.
– الصحة: أيضًا ظلت المنطقة في المركز الثامن خلال الفترة محل التحليل بمتوسط 52,54 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 60,49، ومحققة 55,29 درجة عام 2023م، ومقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 61,38، بمعدل نمو بلغ 0,15%، مقارنةً بالنمو العالمي البالغ 0,59%. وذلك بفعل التطور في أنظمة العناية والصحة النفسية وطول العمر والخطورة السلوكية. مع تراجع في التدخلات الوقائية والصحة الجسدية.
– التعليم: كما هو الحال في مؤشر الصحة تذيلت المنطقة مناطق العالم، محققة في المتوسط 34,70 مقابل متوسط عالمي بلغ 53,44 درجة، ومحققة 36,22 درجة في عام 2023م، مقارنةً بـ54,18 عالميًّا، وبمعدل نمو بلغ 0,37% مع تراجعه عالميًّا بمقدار 0,03%. حيث كان هناك تحسن طفيف في مراحل التعليم الثلاث، مقابل تراجع في التعليم ما قبل الابتدائي ومهارات الكبار.
– البيئة الطبيعية: احتلت المنطقة المركز الخامس في الفترة 2013-2019م، والسادس في الفترة 2020-2023م، بمتوسط 51,49 درجة مقارنة بمتوسط عالمي بلغ 47,14، أي أكبر من المتوسط العالمي، وبمعدل نمو عن عام 2022م يفوق النمو العالمي حيث بلغ 0,12% مقابل تراجع بمقدار 0,11% عالميًّا، وبدرجة بلغت عام 2023م 51,33 مقارنة بـ47,43 عالميًّا.
ويعود هذا الأداء إلى تحيق أربعة مؤشرات من أصل ستة مكونة للمحور معدلات أداء أكبر من المتوسطة سواء خلال الفترة محل التحليل أو عام 2023م، على الرغم من بقائها ثابتة تقريبًا عن عام 2022م؛ حيث حقق مؤشر الانبعاثات في المتوسط 65,44 درجة خلال الفترة 2013-2023م، و64,17 عام 2023م.
أما مؤشر التعرض لتلوث الهواء فقد بلغ متوسط الفترة 73.13، و71,91 عام 2023م. ومؤشر المحيطات في المتوسط للفترة 51,76، و52,04 عام 2023م.
أما مؤشر المياه العذبة فقد بلغ متوسط الفترة 49,59، وفي عام 2023م 50,29. مع أداء أقل من المتوسط في مؤشرات الغابات والأرض والتربة، ومؤشر جهود المحافظة.
جدول رقم (2)
الاثني عشر مكونًا رئيسًا لمؤشر الازدهار العالمي لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء
مقارنةً بالمتوسط العالمي ومعدل نموه ومتوسطه خلال 2013-2023م
المصدر: معهد ليجاتوم، مؤشر الازدهار العالمي لعام 2023م، مع إجراء بعض الحسابات على بياناته عن طريق الباحث.
جدول (3)
تطور الاثني مكونًا رئيسًا لمؤشر الازدهار العالمي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
وتطوره ومتوسطه خلال الفترة 2013-2023م ومعدل نموه مقارنة بعام 2022م
المصدر: معهد ليجاتوم، مؤشر الازدهار العالمي لعام 2023م، مع إجراء بعض الحسابات على بياناته عن طريق الباحث.
ويبين الشكل رقم (2) مقارنة بين الأعوام 2013م، و2022م، و2023م مع مقارنتها بمتوسط الفترة 2013-2023م. حيث يبدو التطابق النسبي لأداء المحاور المختلفة بين سنوات المقارنة مع المتوسط وفيما بينها في الصعود والهبوط.
شكل (2)
تطور محاور مؤشر الازدهار العالمي في إفريقيا جنوب الصحراء في الفترة 2013-2023م
المصدر: الباحث من معهد ليجاتوم، مؤشر الازدهار العالمي لعام 2023م، مع إجراء بعض الحسابات على بياناته عن طريق الباحث.
المحور الرابع
أبرز الملامح القُطريَّة لأداء مؤشر الازدهار العالمي
في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2023م
وفقًا للجدول رقم (4) وبشكل عام حققت عشر دول درجات بين 30 و40، وثمانية وعشرين دولة درجات بين 40، و50 درجة، وتسع دول درجات بين 50، و60 درجة، ودولتان فقط درجات أعلى من 60 وأقل من 70.
ومن بين 49 دولة إفريقية في جنوب الصحراء ذكرها التقرير جاءت موروشيوس وسيشل وجنوب إفريقيا وبتسوانا والرأس الأخضر وناميبيا وساوتومي وبرينسيب وغانا ورواندا وزامبيا في المراكز العشرة الأولى بين بلدان الإقليم.
في حين جاءت موريتانيا وأنجولا وبوروندي والكنغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى وإريتريا وتشاد وجنوب السودان والصومال في المراكز العشرة الأخيرة؛ محققة أقل من 40 درجة كمتوسط للفترة 2013-2023م، وخلال عام 2023م باستثناء موريتانيا وأنجولا عام 2023م. حيث حققتا 41,23، و40,55 درجة.
كما حققت سبعة وعشرون دولة معدلات نمو سالبة طفيفة؛ أبرزها السودان التي تراجعت 2,19% وكينيا 1,81%.
وحققت 22 دولة معدلات نمو موجبة ضعيفة جدًّا؛ أبرزها السودان وإثيوبيا؛ حيث حققتا 2,36% و2,23%.
جدول رقم (4)
تطور مؤشر الازدهار العالمي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
وتطوره خلال الفترة من 2013 حتى 2023م
المصدر: معهد ليجاتوم، مؤشر الازدهار العالمي لعام 2023م، مع إجراء بعض الحسابات على بياناته عن طريق الباحث.
حيث احتلت موريشيوس (المرتبة 47 في العالم) وهي الدولة الإفريقية الأكثر ازدهارًا، تليها سيشيل (51)، وجنوب إفريقيا(75)، والرأس الأخضر (80)، وبوتسوانا (83)، وساو تومي وبرينسيبي (87)، وناميبيا (90)، وغانا (98)، والسنغال (102).
كينيا أكملت قائمة العشرة الأوائل في القارة. فضمن مجتمع شرق إفريقيا، تظل كينيا الدولة الأكثر ازدهارًا وتليها رواندا (المرتبة 11 في القارة والمرتبة 111 في العالم)، وتنزانيا (المرتبة 13 في إفريقيا والمرتبة 117 في العالم)، وأوغندا (المرتبة 21 في إفريقيا والمرتبة 129 في العالم)([26]).
وكانت أبرز ملامح تقدم بعض الدول القُطريَّة كما يلي([27]):
كوت ديفوار (120)
شهدت ازدهارًا وتحسنًا أكثر من أي دولة أخرى في العقد الماضي؛ حيث تحسنت حوكمة الدولة بأعلى معدل عالميًّا في هذه الفترة. في ظل تحسن رتبة 47، حافظت الإدارة الحالية على سياسة المصالحة في أعقاب النزاع المسلح الذي استمر حتى عام 2011م. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع فاعلية الحكومة 101 مرتبة من المرتبة 165 إلى المرتبة 64 على مستوى العالم.
موريشيوس (47)
هي الدولة الأكثر ازدهارًا في إفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحتل المرتبة الخمسين الأولى على مستوى العالم. قوية في مجال التعليم، ولديها معدل إتمام التعليم الابتدائي بنسبة 99,6%، وهو أعلى معدل في المنطقة. كما تحسَّن الالتحاق بالمدارس الثانوية، وهي الآن أفضل دولة أداء في المنطقة.
الكاميرون (147)
تدهورت خلال عشرة تصنيفات في العقد الماضي. وقد أدى الصراع المستمر في المناطق الناطقة بالإنجليزية إلى مقتل وتشريد العديد من المدنيين؛ حيث قُتل أكثر من 6000 شخص منذ بداية الأزمة في عام 2016م. وقد تسبب هذا في انخفاض تصنيف السلامة والأمن بمقدار 37 مرتبة من المرتبة 112 إلى المرتبة 155، وهو رابع أكبر معدل تدهور على مستوى العالم.
جنوب إفريقيا (75)
تراجعت ست مراتب في العقد الماضي، وتدهورت حقوق الملكية بأكبر معدل إقليميًّا، مع تعديلات على تشريعات حقبة الفصل العنصري أدَّت إلى نزاع حادّ حول قضايا ملكية الممتلكات؛ نتيجةً لذلك، شهدت بيئة الاستثمار تدهورًا شاملًا؛ حيث هبطت من أعلى مرتبة في المنطقة.
موزمبيق (150)
شهدت تحسينات عبر ظروف المعيشة، والصحة، والتعليم، وهي الآن في المرتبة الأولى في المنطقة من حيث البيئة الطبيعية. وقد أدى ذلك إلى زيادة جهود الحفظ، والعديد من هذه التحسينات كانت مدفوعة بالتمويل الدولي. ومع ذلك، فإن اقتصاد موزمبيق ضعيف، مع انخفاض نموّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وزيادة في العنف.
وشهدت مالي (التي جاءت في المرتبة 151) تدهورًا في ازدهارها بأكبر معدل في المنطقة خلال السنوات العشر الماضية. أدى تراجع مستوى السلامة والأمن في أعقاب عدم الاستقرار السياسي والصراع الذي دام عقدًا من الزمن، وقد عانت مالي من 326 عملية عنف مرتبطة بأهداف إرهابية في عام 2020م، والتي ارتفعت من “صفر” في عام 2010م. وتراجع تصنيف مالي للسلامة والأمن 91 مرتبة إلى 158، مما وضعها بين أسوأ البلدان على مستوى العالم. أما جنوب السودان (في المرتبة 167) فهي الدولة الأقل ازدهارًا في المنطقة وفي العالم([28]).
خاتمة:
كان التحسن الطفيف هو السمة الغالبة لمؤشر الازدهار في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة 2013-2023م ، غير أنه أقل من المتوسط العالمي، مدفوعًا بتحسينات في مجالات الظروف المعيشية والصحة ، وتقدمًا طفيفًا في النواحي الاقتصادية وتطوير المؤسسات، مع تزايد الفجوة في البنية التحتية باستثناء المياه، مع زيادة الدَّيْن الحكومي؛ حيث شهدت 39 دولة من أصل 49 ذكرها التقرير نموًّا في الازدهار. غير أن المنطقة تذيلت المناطق الثماني في العالم خلال نفس الفترة.
وفي عام 2023م حققت 27 دولة معدلات نمو سالبة، وحققت 22 دولة معدلات نمو موجبة، محقّقة في المتوسط معدل نمو 0,09%. حيث حققت تسعة محاور معدلات نمو موجبة أبرزها البنية التحتية والوصول إلى الأسواق وجودة الاقتصاد والظروف المعيشية. بينما حققت ثلاثة محاور معدلات نمو سالبة أبرزها بيئة الاستثمار والحرية الشخصية، بفعل تدهور الأمن والسلامة، بسبب تصاعد الإرهاب والصراع الأهلي. ولا تزال المنطقة الأسوأ أداءً في 8 من أصل 12 محورًا، ويوجد بها 30 دولة في أدنى 40 دولة في العالم.
د. مجدي محمد محمود آدم / مراقب اقتصادي مصري
المصدر: مجلة قراءات إفريقية
المراجع:
[1] ) Joseph Lemoine, The key to national progress is no longer GDP growth. It’s prosperity, October 12, 2022.at: ttps://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/the-key-to-national-progress-is-no-longer-just-gdp-growth-its-prosperity/
[2]) Ahmet Mesut Büyüksarikulak and Ali Kahramanoğlu, The Prosperity Index and Its Relationship with Eco-nomic Growth: Case of Turkey, Journal of Entrepreneurship, Business and Economics (Turkey : Bafra Faculty of Business Administration, Ondokuz Mayıs University, Samsun, Turkey, 7(2),2019) pp.2-8.
[3] ) د. جمال دقيش، وآخرون، تجارب دول رائدة في المؤسسات ورفاهية مواطنيها قراءة تحليلية في مؤشر الازدهار العالمي: دراسة مقارنة بين الجزائر ومجموعة من الدول العربية، المؤتمر العلمي الدولي الافتراضي حول: المؤسسات والرفاهية، جامعة مصطفى إسطمبولي – معسكر –كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، مخبر البحث في تسيير الجماعات المحلية والتنمية المحلية، 2021م. ص.4.
[4]) Ahmet Mesut Büyüksarikulak and Ali Kahramanoğlu, Op.cit.p.2.
[5] ) د. جمال دقيش، وآخرون، م.س.ذ. ص.5.
[6] ) د. حمزة محمود شمخي، مؤشر الرخاء والازدهار العالمي، مجلة الإدارة والاقتصاد، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة كربلاء، 2022م. متاح على الرابط: https://business.uokerbala.edu.iq/wp/archives/17200
[7] ) https://www.independent.co.ug/why-ugandans-are-poor/
[8] ) د. حمزة محمود شمخي، م.س.ذ.
[9]) Financial Nigeria, Nigeria not on top 30 Africa ranking for 2023 Legatum Prosperity Index,at: https://www.financialnigeria.com/nigeria-not-on-top-30-africa-ranking-for-2023-legatum-prosperity-index-news-2613.html
[10]) The Legatum Institute Foundation, The 2023 Legatum Prosperity IndexTM (London: The Legatum Institute Foundation,2023)p.32.
[11]) Idem.
[12] ) Ibid.p.56.
[13] ) The Legatum Institute Foundation, The 2023.Op.cit.pp56-57.
[14] ) https://www.independent.co.ug/why-ugandans-are-poor/
[15] ) The Legatum Institute Foundation, The 2023.Op.cit.p.68.
[16] ) Idem.
[17] ) The Legatum Institute Foundation, The 2023.Op.cit.p.69.
[18] ) Ibid.p.80.
[19] ) https://www.independent.co.ug/why-ugandans-are-poor/
[20] ) Idem.
[21] ) https://www.autoreportafrica.com/safety-security-deterioration-fragile-political-institutions-holding-back-prosperity-in-sub-saharan-africa-2023-prosperity-index/
[22] ) https://www.sagoodnews.co.za/2021-prosperity-index-reveals-sub-saharan-africa-is-a-bright-light-in-a-world-of-stagnating-prosperity/
[23] ) https://www.autoreportafrica.com/safety-security-deterioration-fragile-political-institutions-holding-back-prosperity-in-sub-saharan-africa-2023-prosperity-index/
[24] ) https://www.independent.co.ug/why-ugandans-are-poor/
[25] ) https://www.autoreportafrica.com/safety-security-deterioration-fragile-political-institutions-holding-back-prosperity-in-sub-saharan-africa-2023-prosperity-index/
[26] ) https://www.independent.co.ug/why-ugandans-are-poor/
[27] ) The Legatum Institute Foundation, The 2023.Op.cit.p.49.
[28] ) https://www.autoreportafrica.com/safety-security-deterioration-fragile-political-institutions-holding-back-prosperity-in-sub-saharan-africa-2023-prosperity-index/