تم الإعلان عن الإطاحة بالرئيس النيجري، في ليلة 26 إلى 27 يوليو 2023م، من جنود انقلابيين في وقت كانت البلاد تحتل موقعًا جغرافيًّا استراتيجيًّا بالنسبة للوجود العسكري الفرنسي في الساحل بعد انتهاء عملية بارخان.
وفي بيان تمَّ بثّه عبر شاشة التلفزيون الوطني في النيجر ليلة 26 إلى 27 يوليو 2023م أعلن الكولونيل أمادو عبد الرحمن مالي: “نحن -قوات الدفاع والأمن- المجتمعين داخل المجلس الوطني لحماية الوطن، قرّرنا وضع حدٍّ للنظام المعروف”، وبهذا الإعلان أطاح الجنود النيجريون بالرئيس، محمد بازوم، المنتخب ديمقراطيًّا في عام 2021م.
لكنَّ هذا الانقلاب قد يؤدي إلى المزيد من زعزعة استقرار منطقة الساحل، والتي تشهد انتشار العديد من الحكومات الانتقالية العسكرية، علمًا بأن مالي شهدت انقلابين في عامي 2020 و2021م، وشأنها في ذلك ِشأن جارتها بوركينا فاسو، التي شهدت هي الأخرى، انقلابين في عام 2022م، وقد أدَّى استيلاء الجيش على السلطة إلى تعزيز عدم الثقة تجاه فرنسا.
فبعد تسع سنوات من الوجود الفرنسي في مالي، غادر آخر جندي فرنسي في عملية برخان مالي في أغسطس 2022م، بينما كان حجم قوات عملية برخان في ذروتها في عام 2020م زهاء 3000 عنصر في مالي قبل إعادة قائد العملية العسكرية الفرنسي تركيز الوجود العسكري على النيجر. والسؤال هنا: هل هذا الانقلاب سيُحدث تغييرًا في الوضع الراهن في النيجر؟ وهل سيؤدي إلى رحيل القوات الفرنسية عن البلاد؟
ما مستقبل الوجود الفرنسي في النيجر؟
بعد انسحاب قوات عملية “برخان” من مالي، تم نشر معظم الأفراد العسكريين الفرنسيين في منطقة الساحل في النيجر؛ حيث يتمركز حوالي 1500 عسكري في البلاد في قاعدة نيامي، مع طائرات ريبر بدون طيار وطائرات مقاتلة، هي رأس الحربة للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة. وهذا الرقم لا يشمل القوات الخاصة.
مكوّنات الوجود العسكري الفرنسي في الساحل:
- عدد عناصر الجيش 3000.
- 5 طائرات مسيرة.
- 5 طائرات مقاتلة.
- 8 مروحيات.
- 5-6 طائرات نقل تكتيكية واستراتيجية.
- 180 مدرعات مصفحة ثقيلة.
- 360 مركبات لوجستية.
- 115 مركبات مصفحة خفيفة.
لكن من أهم التساؤلات المطروحة هي: هل يستمر وجود القوات الفرنسية في البلاد بعد استيلاء العسكريين على السلطة في النيجر؟
“لا يبدو الموضوع محسومًا حتى لو كان هناك هذا التدخل العسكري من قبل الجيش”، مضيفًا “منذ اللحظة التي أوضح فيها الجيش النيجيري أنهم رفضوا أيّ تدخل خارجي، من الصعب تخيل أنهم سيقبلون وجود الجنود الفرنسيين”؛ يحلل أنطوان جلاسر، الصحفي والكاتب المتخصص في العلاقات بين فرنسا وإفريقيا.
ولذا بدأت التوترات تظهر بالفعل؛ حيث اتهم جيش الانقلاب الذي استولى على السلطة في النيجر فرنسا بـ “خرق” قرارها بإغلاق الحدود بهبوط طائرة عسكرية في نيامي.
علاوةً على ذلك: “لا يزال من الصعب تخيُّل أن إيمانويل ماكرون يقبل بقاء الجنود الفرنسيين في بلد شهد انقلابا”؛ على حد تعبير الصحفي جلاسر. ووفقًا له فإن “الشيء الأكثر ترجيحًا هو إعادة نشر الجنود الموجودين في النيجر إلى تشاد أو ساحل العاج أو العودة إلى فرنسا”؛ على حد تعبيره .
موقع جيوستراتيجي:
ورغم ذلك لا يعني انسحاب الجنود الفرنسيين من النيجر أن فرنسا ستجد نفسها بدون حلفاء في المنطقة. يتذكر أنطوان جلاسر أن “الحليف العسكري الرئيس لفرنسا في المنطقة لا يزال تشاد”؛ حيث يوجد الجيش الفرنسي هناك بشكل مستمر تقريبًا منذ عام 1970م. ومع ذلك، يعترف بأن تشاد “بعيدة جدًّا عن مناطق القتال”.
ماذا يمثل الوجود العسكري الفرنسي في تشاد؟
يتم نشر حوالي 1000 جندي فرنسي حاليًّا في تشاد، وتقع القاعدة الرئيسة للجيش الفرنسي في تشاد في إنجامينا؛ عطفًا على أن هناك قاعدة جوية مقترحة لطائرات مقاتلة وطائرات نقل وطائرات هليكوبتر، بالإضافة إلى عناصر من قوة الإسقاط الأرضي مع المركبات المدرعة والرجال.
وتشكّل قاعدة إنجامينا المقر الرئيس للقوات الفرنسية الموجودة في منطقة الساحل، وتضم مركز قيادة المسرح المشترك (PCIAT)، ومن إنجامينا يتم الانطلاق في مواجهة الجماعات الإرهابية. لكن تتمتع النيجر بموقع استراتيجي بالمقارنة بمنطقة الحدود الثلاثة.
يوضح أنطوان جلاسر “من وجهة نظر جيوستراتيجية؛ تُعدّ النيجر عنصرًا رئيسًا؛ ليس فقط لأن موقعها يُمكّنها من مراقبة الحركات الإرهابية، ولكن أيضًا مراقبة ومتابعة كل ما يحدث في ليبيا”.
من جهة أخرى فإن موقع النيجر استراتيجي بين الجزائر وليبيا وتشاد ونيجيريا وبنين وبوركينا فاسو ومالي؛ “هذا الموقع يسمح لفرنسا أيضًا بمتابعة المعركة ضد بوكو حرام”؛ يضيف الصحفي. وهو يدرك أنه “بالمقارنة مع منطقة الحدود الثلاثة، تتمتع النيجر بموقع استراتيجي في المنطقة”.
وللتذكير، ارتفعت وتيرة عمليات تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى في منطقة الحدود الثلاثة على حدود مالي والنيجر وبوركينا فاسو من عام 2015 إلى عام 2021م. ومن المتوقع أن تقوم الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية بمراقبة منطقة الساحل والصحراء بعد رحيل القوات الفرنسية.
ويخاطر الانقلاب بأن يشكل “خسارة فادحة”؛ من وجهة النظر العسكرية وفقًا للصحفي أنطوان جلاسر الذي يرى أن “الأمر لا يتعلق فقط بالنيجر”؛ نظرًا لأنه في ظل عدم “استمرار وجود المزيد من الكوماندوز والقوات الخاصة في بوركينا فاسو، لم يبقَ هناك غير النيجر فقط لمراقبة الساحل والصحراء”؛ على حد قوله.
علمًا بأنَّ السلطات العسكرية الجديدة في بوركينا فاسو طردت 400 عنصرًا من القوات الخاصة الفرنسية من البلاد. وقال: “إذا انسحب الجيش الفرنسي، فلن يكون هناك سوى استخبارات أمريكية لمراقبة هذه المنطقة”؛ على حد تعبيره.
ووفقًا لأنطوان جلاسر؛ تمتلك القوات الأمريكية في الواقع “قاعدة لطائرات بدون طيار في ديركو، في شمال شرق البلاد، والتي تسمح لها أيضًا بمراقبة ما يحدث في ليبيا”، مضيفًا “مع وسائلهم الاستخباراتية الضخمة وطائراتهم وغيرها، من المتوقع أن يقوموا بمعظم الأعمال الاستخباراتية في منطقة الساحل والصحراء بأكملها”، مضيفًا بأنه بشكل عام “هناك تضاؤل ملحوظ في الوجود الغربي بشكل تدريجي في هذا المجال”، قبل أن يخلص إلى القول: “هذا جزء من إعادة الانتشار والتنسيق العالمي بين القوى الغربية، تزامنًا مع مطالب دول الجنوب”.
مارغو هوتون / صحفية فرنسية
المصدر: مجلة قراءات إفريقية