في الوقت الذي نعيش فيه مأساة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما أفضت إليه من إبادة جماعية ضد سكان القطاع المحاصر، تأجل انعقاد القمة العربية الإفريقية التي كانت مقررةً في الرياض وإن عوضتها قمةٌ سعودية إفريقية التأمت قبل القمتين العربية والإسلامية الطارئتين اللتين أوجبتهما الأحداث الفلسطينية الأليمة.
لا مندوحةَ من الإقرار بأن الأفارقة، كما هي عادتهم، شاطروا المجموعة العربية تعاطفَهم العارم مع الشعب الفلسطيني، كما ظهر من التصريحات الإفريقية الرسمية ومن تصويت دول القارة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ليس التضامن العربي الإفريقي بالجديد، فلا أحد يجهل أن الدول الإفريقية شكّلت منذ الستينيات الظهير الرئيسي للبلدان العربية في القضايا المصيرية الكبرى، إلا أنه من الضروري اليوم الوقوف على الوجه الجديد لإفريقيا التي تعرف تحولات سياسية ومجتمعية جوهرية نادراً ما تنال الاهتمام المستحق من النخب العربية.
ومن التحولات التي أثارت اهتمام الجميع في الآونة الأخيرة الانقلابات العسكرية التي عرفتها العديد من البلدان الإفريقية، من مالي في غرب أفريقيا إلى الغابون في وسط القارة. وقد تركزت هذه الانقلابات في العالَم الفرانكفوني، وكان من آثارها الجلية القطيعة المتزايدة مع فرنسا ومع الغرب إجمالاً، مع الانفتاح الظاهر على روسيا والاستعانة بها عسكرياً وأمنياً في مواجهة مخاطر الجماعات الراديكالية والحركات المتمردة العنيفة.
ودون الخوض بالتفصيل في سياقات وخلفيات هذه التحولات الهامة، نكتفي بالإشارة إلى رهانين أساسيين في الحركية السياسية والاجتماعية الإفريقية الحالية: أولاً: تعثر تجارب الانفتاح الديمقراطي التي انطلقت في القارة مع بداية التسعينيات، وأفضت إجمالاً إلى انتقال السلطة من الأنظمة العسكرية إلى الحكومات المدنية بقيادة وجوه بارزة من المعارضة التقليدية في بعض الأحيان، كما أدت في بعض الساحات إلى تجارب ملموسة في التداول السلمي على السلطة.
إلا أن الديمقراطية الإفريقية عانت إجمالاً من خللين بارزين هما: فساد النخب السياسية المدنية في بلدان لا يتوفر فيها هامش استقلال فعلي للقوى الاقتصادية والأهلية عن ريع الدولة بما يعزز شبكات الولاء لأنظمة الحكم القائمة فتتفرد بكل مقاليد القرار وتلغي مساحات المعارضة الشرعية ومراكز القوة غير التابعة، والعجز المتفاقم عن مواجهة التحديات الأمنية التي عصفت بوحدة واستقرار العديد من البلدان خصوصاً في منطقة الساحل والصحراء.
ثانياً: تراجع التأثير الغربي (الفرنسي على الأخص) لدى النخب السياسية والفكرية التي أصبحت أكثر ميلا لأدبيات الاستقلال الحضاري والنزعة الشعبوية الإفريقية في إطار المفهوم الجديد للجنوب الشامل الذي دخل بقوة إلى أجندة العلاقات الدولية. إن هذا التحول هو الذي يفسر مواقف المجموعة الإفريقية من الملفات العالمية الراهنة، مثل الحرب الأوكرانية الروسية، كما يفسر التقارب الإفريقي الروسي والدور الصيني المتزايد في القارة.
وإذا كانت النزعة القومية الإفريقية التقليدية التي بلورها في السابق زعماء معروفون مثل نكروما ولوموبا وسيكو توري قد انحسرت، فإن بعض الزعامات الشعبوية الجديدة في القارة بدأت تطرح هذه النزعة من منطلق مغاير يتسم أساساً بالهجوم على الهيمنة الغربية والدعوة إلى استراتيجيات التنمية والحكامة السياسية من منظور مستقل.لكن ما تأثير ذينك الرهانين على طبيعة الشراكة العربية الإفريقية؟
لا بد من التنبيه هنا إلى أن العلاقة بين المجالين، العربي والإفريقي، ليست علاقة ارتباط بين كتلتين منفصلتين، إذ غني عن البيان أن جل المساحة الإجمالية للعالم العربي توجد في أفريقيا، وأن أغلب العرب أفارقة، كما أن اللغة العربية هي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً في القارة.
ولا شك في أن التحديات الاستراتيجية المستقبلية تفرض الانتقال من مفهوم الشراكة العربية الإفريقية إلى مستوى التكامل العضوي الذي يمكن أن يتجسد في مشاريع كبرى، نكتفي هنا بالإشارة إلى نموذجين منها. المشروع الأول هو مبادرة تكتل البلدان المطلة على البحر الأحمر، الذي يشمل بالإضافة إلى دول القرن الإفريقي المؤثرة (ولا بد من إضافة إثيوبيا لها) بلداناً عربية من شبه الجزيرة والمشرق العربيين تتداخل جغرافياً واستراتيجياً مع المجموعة الإفريقية.
أما المشروع الثاني فهو تحويل اتحاد المغرب العربي إلى مبادرة استراتيجية جديدة تجمع بلدان الساحل والصحراء التي تتكامل من حيث المقومات الجغرافية والبشرية وتواجه نفس التحديات الأمنية الجيوسياسية. ما نريد أن نخلص إليه، هو أن تفعيل أو دفع الشراكة العربية الإفريقية قد يكون هو الشرط الضروري لإعادة الروح للنظامين العربي والإفريقي، مع توسيع المجال الحيوي للكتلة العربية في مرحلة تخضع فيها العلاقات الدولية لإعادة بناء متسارعة وجذرية.