كنت من بين المواطنين الذين نادوا، في أكثر من منصة، إلى ضرورة الحوار بين السلطة الحاكمة والمعارضة السياسية، وكنت واضحا وصريحا في أن أي نزاع سياسي وأي توتر بين المعسكرات المتنازعة مصيرها طاولة المفاوضات والحوار.
لهذا السبب، تابعت مراحل ومخرجات الحوار الوطني الذي دار مؤخرا وبكثير من الاهتمام.
وعلى الرغم من تشعب محاور اهتمام الأطراف المتحاورة، وتباين وخصوبة النقاشات، التي دارت بين ممثلي النظام الحاكم والأحزاب المؤيدة لها، وبين الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين، طبعا هناك نقاط في غاية الأهمية تم الإتفاق عليها من قبل الأطراف المتحاورة .. مثل تعديل المادة 29 ,ومادة 3 -28 في القانون الإنتخابي اللتان كانتا عقبة أمام بعض المترشحين المدانين قضائيا ، وأصبح هناك حل لهذه المعضلة بسبب الحوار ، إما بالصفح ، أو بالعفو الرئاسي ، وكذلك تخفيض الضمان المالي الذي كان مفروضا على كل مترشح للإنتخابات وغيرها من النقاط .
لكن ثمة حلقة ناقصة في الحوار الوطني ويجب العمل لتداركها.
ويكمن ذلك في غياب المعارض الأبرز والأهم في الساحة السنغالية عثمان سونكو ، ولا يمكن، من وجهة نظري ، تهميش شخصية سياسية سنغالية في حجم زعيم حزب “باستيف”، ومشروعه السياسي الذي يلتف حوله آلاف من الشباب داخل البلاد وخارج حدودها .
وليس من الحنكة السياسية الاستخفاف بالرجل ومحاولة إبعاده عن سباق الانتخابات الرئاسية القادمة.
وليس هناك أدنى شك، في أن الاضطربات والمواجهات التي عاشتها البلاد، منذ مارس ٢٠٢١م، لم تأت من فقدان السيد كريم واد وخليفة بابكر سال، حقوقهما المدنية وعدم تمكنهما من المشاركة، أو الترشح في الانتخابات المختلفة، لكن السبب الرئيس للمظاهرات، التي يقوم بها بعض الشباب، والعلاقات ، وهذا العنف غير المعهود في بلد “تيرانغا”، هو الجو المشحون بين أنصار الحزب الحاكم و بين رئيس حزب “باستيف” وأنصاره.
ويقيني أن أي خلاف، مهما اشتد وطيسه وتشابكت تداعياته، لا بد من محاولة الوصول إلى حل لها ، وتفاهم حول مخرجات محددة، من شأنها أن تذلل الصعوبات وتدفع إلى التهدئة، ولا يمكن النجاح في تحقيق هذا المسعى إلا بضبط النفس والترفع عن الخصومات السياسية، التي اتخذت طابعا جديدا وخطيرا، غير معهود في تاريخ الخلافات الأيديولوجية بين الأحزاب السياسية في السنغال.
وواضح أن أصحاب النفوذ والأصوات المسموعة في البلاد، قد تفرجوا طويلا، ولم يسعوا، كما هو المعتاد، للضغط علي السياسيين، من أجل تقليل حدة التوتر، حتى استفحلت الأزمة وتفاقم الوضع، بين النظام الحاكم وبين المعارض السياسي السنغالي، الأكثر شعبية في الوقت الراهن، وهو عثمان سونكو.
لكن ذلك كله لا يمنع، أو لا ينبغي أن يمنع، المعسكرين من تحكيم العقل وتقديم مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى، وليست هناك مادة، من بين مواد القوانين الوضعية، أو النصوص التي يتواضع عليها الناس، يستحق الالتزام بها تدمير بلاد مهمة كالسنغال تاريخا وديمقراطية، والمعروف باستقرارها السياسي والاجتماعي الذي أصبح مضرب المثل.
لذلك نأمل أن يرتفع فخامة الرئيس فوق الاعتبارات الحزبية ، ويتخذ من الأسباب ما يهدئ به شعبه والمجتمع الدولي في خطابه المنتظرهذه الأيام ، باعتباره الوحيد الذي يستطيع أن يعيد الأمل ويزيل المخاوف من أذهان السنغاليين وأصدقاء السنغال في الخارج.
وخاصة أن لفخامته، الذي قد حكم البلاد، بحمد الله ١٢ عاما، رصيدا من التجربة والخبرة، كما حقق خلال حكمه إنجازات كبرى، لا ينكرها منصف، وفي مختلف المجالات العمرانية والتعليمية وغيرها، وبصماته ستبقى شاهدة على ذلك.
زد على ذلك أن فخامة الرئيس قد تقلد جميع المناصب العليا التي يحلم رجل دولة بالوصول إليها، حيث تدرج من مدير إدارة، حتي أصبح وزير للمعادن، ووزيرا للداخلية فرئيسا للوزراء.
ثم توج تلك المسيرة السياسية الظافرة، بأن أصبح رئيسا للبرلمان السنغالي قبل أن ينتخب رئيسا للبلاد عام ٢٠١٢م.
ففيم، يا ترى، يطمع السيد ماكي سال، بعد هذه المسيرة السياسية الثرية والحافلة بالانتصارات السياسية والإنجازات التنموية؟
ومن الأهمية بمكان، في مجال السعي إلي التهدئة، إعادة النظر في بعض القوانين الإنتخابية التي تعرقل بعض المواطنين، الراغبين في المشاركة، عن الترشح في الانتخابات الوطنية المختلفة.
بل أري أن من المصلحة فتح المجال لمشاركة جميع الذين أعلنوا رغبتهم في خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو أمر قد يساعد في أن تعود بلادنا إلى سابق عهدها في الهدوء والأمن ، وواحة جميلة للاستقرار الاجتماعي والسياسي.
فاضل غي / صحفي سنغالي، والمدير الناشر لموقع ريفي دكار