spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

إفريقيا في الصحافة الإسرائيلية: الكنيسة الأنجليكانية في جنوب إفريقيا وموقفهما من دولة الفصل العنصري “إسرائيل”

احتل قرار الكنيسة الأنجليكانية في جنوب إفريقيا، باعتبار إسرائيل دولة فَصْل عنصري، صدارة اهتمامات الصحافة الإسرائيلية وكُتّاب مقالات الرأي في إسرائيل، خلال الأيام الأولى من شهر أكتوبر 2023م، لتحمل بعض الأقلام تلميحات بأن ثمة علاقة بين القرار وبين انتشار مقاطع الفيديو التي أظهرت يهودًا متدينين وقد اعتادوا البصق على رجال الدين المسيحيين في مدينة القدس؛ لتخرج بعدها شخصيات دينية يهودية، وتُوضِّح أن البصق على المسيحيين إنما يُعدّ “عادة يهودية” بل وواجب شرعي، الأمر الذي أثار عاصفة من الانتقادات من جانب اليهود العلمانيين والسياسيين والمسؤولين الرسميين ضد أصحاب هذا التوجُّه المتطرُّف.

ملف آخر كان حاضرًا في هذه الأثناء يتعلق بالفوائد والميزات التي يمكن أن تعود على إسرائيل -من وجهة نظر خبراء هناك- جراء انخراطها في دعم دول إفريقية في مجال التكنولوجيا المالية، وهو مجال جذب أنظار الكثير من المراقبين الدوليين أخيرًا، نظرًا للمحاولات التي تباشرها دول إفريقية لتطوير تلك التكنولوجيا والعمل على رقمنة الخدمات الحكومية المقدمة للجماهير، وتعزيز عمليات الشمول المالي وما إلى ذلك، ومن ثَم هناك مَن يعتقد في إسرائيل أن دخول الأسواق الإفريقية سيعود بالنفع على الشركات الناشئة، تلك التي يمكنها توفير حلول تكنولوجية لهذا القطاع.

ويعود ملف المهاجرين الإريتريين إلى الواجهة مرة أخرى، بعد تجدد الاشتباكات بين مهاجرين من هذا البلد، بعضهم يؤيد النظام الحاكم في أسمرة وبعضهم يعارضه، ما أسفر عن وقوع قتلى وإصابات خطيرة، ومن هنا حاول أصحاب الأقلام في إسرائيل الدخول إلى هذا المجتمع البالغ قوامه حاليًّا قرابة 17 ألف نسمة، يقطنون في الغالب جنوب تل أبيب ومناطق أخرى، ليتكشف في النهاية الوضع المتردي الذي عاشه هؤلاء في موطنهم الأصلي، وتظهر الأسباب التي أدَّت إلى فرارهم، إلا أن تلك الأقلام عكست للقراء وجهة نظر أحادية، عنوانها أن إريتريا -من وجهة نظرهم- تُعد النموذج الإفريقي لكوريا الشمالية.

ويركّز المقال الأول للكاتب دانيال إيدلسون على قرار الكنيسة الأنجليكانية في جنوب إفريقيا، التي تضم أكثر من أربعة ملايين تابعًا في دول المنطقة، عاش أغلبهم حقبة الفصل العنصري (الأبرتهايد)، وشاهدوا أهواله بأُمّ أعينهم، باعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري، وكيف أن هذا القرار، الذي تزامن مع أفعال متطرفة مِن قِبَل يهود متدينين، ينصّ على أن الكنيسة لا تعارض وجود الشعب اليهودي ذاته، وإنما تشجب سياسات الحكومة الإسرائيلية التي تزداد تطرُّفًا.

ويرصد المقال الثاني، للكاتب الإسرائيلي والخبير التكنولوجي، دافيد ميندلباوم، ما يعدها ثورة حقيقية تشهدها القارة الإفريقية في الوقت الراهن، في قطاع التكنولوجيا المالية وأنظمة المدفوعات عبر الهاتف النقال، ويرى أن هذا الزخم يُشكِّل فرصة حقيقية للشركات الإسرائيلية الناشئة، التي يبدو أنها في حاجة لإعادة ترتيب طريقة تفكيرها إزاء الطابع والسمات الفريدة للقارة.

ويطرح المقال الثالث، للكاتبة شاكيد ساديه، أسئلة بشأن أسباب الفوضى والاضطرابات الكثيرة التي شهدتها عواصم حول العالم مِن قِبَل مهاجرين إريتريين، وكذلك الحال في إسرائيل، وبالتحديد في جنوب مدينة تل أبيب، والأسباب التي تدفع مُنظِّمي هذا الحراك إلى الزعم بأن مَن يعارض النظام الحاكم في أسمرة يلقى حتفه، كذلك الأسباب التي تدفعهم نحو دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى عدم فتح ذراعيها أمام مؤيدي هذا النظام.

كنيسة تضم ملايين الأتباع تُصدر قرارًا رسميًّا: إسرائيل دولة فَصْل عنصري[1]

تبنَّت الكنيسة الأنجليكانية في جنوب إفريقيا، التي تضم أكثر من 4 ملايين تابع من مختلف دول منطقة الجنوب الإفريقي قرارًا رسميًّا، يَعُدّ إسرائيل دولة فصل عنصري. بهذه المقدمة استهل الكاتب دانيال إيدلسون مقالته في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 4 أكتوبر 2023م، مشيرًا إلى أن الكنيسة، التي كان يترأسها سابقًا، ديزموند توتو، الحائز على جائزة نوبل للسلام، تعد الأكثر تأثيرًا في كفاحها ضد نظام الفصل العنصري، الذي بدأ في القرن الماضي في جنوب إفريقيا، وتقول في مقدمة القرار الجديد ضد إسرائيل: إن شعبها شاهَد الفصل العنصري نصب أعينه، وبالتالي فهو قادر على التعرف عليه.

ويقتبس الكاتب عن الأمين العام للكنيسة الأنجليكانية في جنوب إفريقيا، الأسقف مالوسي امبوميلوانا، أنهم “كأناس مؤمنين ينظرون بتوتر وقلق إلى احتلال الضفة الغربية وغزة (حسب النص)، ويأملون فقط في إحلال الأمن والسلام لفلسطين وإسرائيل. لا يمكننا أن نستمر في تجاهل الحقائق على الأرض، إن منظمتنا لا تعارض الشعب اليهودي، بل تعارض سياسة الحكومات الإسرائيلية التي تصبح متطرفة أكثر فأكثر. إن توقيت اتخاذ القرار يأتي الآن على وجه التحديد في أعقاب الثورة القضائية في إسرائيل، وبعدها لن يكون هناك المزيد من الضوابط والتوازنات على الحكومة، وسوف تُعامل الفلسطينيين كما يحلو لها”.

ويقول الكاتب: إن الكنيسة (المنظمة) تضم طوائف مسيحية في ناميبيا وموزمبيق وأنغولا وأسواتيني وليسوتو وسانت هيلانة، إلى جانب جنوب إفريقيا، وأنها تحثّ المؤمنين على تكثيف زيارات الأماكن المقدسة الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، كدليل على التضامن، وتوصي بعقد لقاءات مع الفلسطينيين وزيارة منازلهم كلما أمكن ذلك، وتعزيز التضامن معهم في كل فرصة، بل واستخدام كلمة فلسطين بشكل أكبر، وتشبيه الاحتلال الإسرائيلي بالفصل العنصري بشكل علني.

وبحسب الكاتب الإسرائيلي، فقد أصدرت الكنيسة ذاتها قبل عامين إعلانًا يدعم حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)؛ بغية إنهاء الاحتلال، لكن حتى الآن رفض القائمون عليها إعلان إسرائيل دولة فصل عنصري، كجزء من السياسة الشاملة للكنيسة الأنجليكانية العالمية، وسبق أن قال رئيس أساقفة كانتربري، غاستن ويلبي، وهو أبرز شخصية في الكنيسة الأنجليكانية: “أعلم أن هذا رأي لا يحظى بشعبية، لكنني لا أريد استخدام كلمة الفصل العنصري في الحديث عن إسرائيل؛ لأن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا -وأنا أعرف ديزموند توتو، واستمعت إليه مطولًا في هذا الشأن- بُنِيَ على أسس دستورية فعليًّا، نسجت نظام الفصل العنصري. وإذا كان لدى إسرائيل دستور فصل عنصري، فمن الواضح أنها ستصبح دولة فصل عنصري، ولكن إلى أن يحدث ذلك، لن أستخدم هذه الكلمة فيما يتعلق بإسرائيل”.

ويعود إيدلسون للاقتباس عن الأمين العام للكنيسة الأنجليكانية في جنوب إفريقيا، والذي كان قد أشار إلى أنه لم يعد بمقدورها الوقوف مكتوفة الأيدي في مواجهة التطورات الأخيرة في إسرائيل، وسط مخاوف من الثورة الموجهة ضد المؤسسة القضائية (ملاحظة المترجم: تسعى الحكومة الإسرائيلية اليمينية إلى تمرير تشريعات تُقيد عمل المحكمة الإسرائيلية العليا، وأدَّى ذلك إلى حراك كبير وتظاهرات لا تتوقف من جانب معارضين يساريين).

ونقل عنه القول: “إذا تحلينا بالصمت وتنحينا جانبًا سنُصبح شركاء في القمع المستمر بحق الفلسطينيين، لقد توجهت منظمتنا في هذا الشأن إلى الفاتيكان وإلى مجلس الكنائس العالمي، وكذلك إلى الزعماء اليهود المتدينين في الولايات المتحدة؛ حتى ينضموا إلى الدعوة.

إن المحرقة لا تُبرِّر التسبُّب في صدمة للمجتمعات الأخرى، وهناك فلسطينيون ما زالوا يعيشون في مخيمات اللاجئين منذ عام 1948م، وعلى الرغم من أنهم يخضعون للقانون الإسرائيلي، إلا أنهم لا يتمتعون بحقوق متساوية. وكما يقول الإسرائيليون: إن الفلسطينيين يجب أن يتحملوا مسؤولية ما يسمونه الإرهاب، كذلك يجب على إسرائيل أن تتحمل مسؤولية الفصل العنصري الذي تقوده”.

وكان الزعيم الأسطوري للكنيسة، رئيس الأساقفة ديزموند توتو، الذي وافته المنية قبل عامين، من بين الشخصيات الدولية الأولى التي وصفت معاملة إسرائيل للشعب الفلسطيني باستمرار بأنها فصل عنصري. ففي عام 2011م، على سبيل المثال، نشر عمود رأي في صحيفة “الغارديان” البريطانية، قال فيه: “لقد قمنا بزيارة إسرائيل/فلسطين عدة مرات، وفي كل مرة كنا نُدهَش من التشابه مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، هناك شاهدنا الطرق والمناطق المفصولة للفلسطينيين، والإذلال على الحواجز ومعابر التفتيش، وعمليات الإخلاء وهدم المنازل”. وأضاف: “إن أجزاء من القدس الشرقية تشبه المنطقة 6 في كيب تاون؛ حيث دمَّر نظام الفصل العنصري وأخلى مجتمعًا مختلطًا قديمًا في عام 1966م، وأعلن المنطقة منطقة للبيض فقط.

ويوضح الكاتب أن إعلان الكنيسة جاء بالتزامن مع العاصفة التي شهدتها الأيام الأخيرة حول إذلال رجال الدين المسيحيين والبصق عليهم في القدس، والادعاء بأن هذا نوع من الواجب الديني (ملاحظة المترجم: ظهرت مقاطع فيديو عديدة توضّح قيام يهود متدينين بالبصق على مسيحيين، فيما برر بعض المتدينين اليهود المتطرفين ذلك بأنه واجب شرعي في اليهودية وسط انتقادات حادة من قطاعات يهودية علمانية).

ويُبين الكاتب الإسرائيلي أنه وفقًا للمشاهد التي جُمعت من الكاميرات الأمنية، ومن خلال الشكاوى المقدمة للشرطة والشهادات الشخصية، يتعرَّض الرهبان ورجال الدين المسيحيين للإهانة والاعتداء بشكل يومي في أجزاء مختلفة من البلدة القديمة في القدس والمناطق المحيطة بها، وأن التعبير الأكثر شيوعًا للاعتداءات هو البصق على الرجل ذاته، أو على ملابسه، أو على الأرض بجواره، أو عند مدخل البنايات الدينية المسيحية.

وختم إيدلسون بأنه في أعقاب استشراء هذه الظاهرة، نشر حاخام القدس، شلومو عامار، رسالة عامة مفادها أن هذا الفعل محظور ويُعدّ كفرًا، كما أدان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذه الظاهرة، قائلاً: إن “إسرائيل ملتزمة بالحفاظ على حق العبادة المقدس والحج إلى الأماكن المقدسة لجميع الأديان. وأعرب عن إدانته الشديدة لمحاولات المساس بالمصلين، وتعهَّد باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة، متوعدًا بعدم التهاون مع من يمسّ بالمصلين.

إفريقيا تنتظر شركات التكنولوجيا المالية الإسرائيلية[2]:

يوضح الكاتب الإسرائيلي، دافيد ميندلباوم، في مستهل مقاله المنشور بموقع PC)) العبري، بتاريخ 2 أكتوبر 2023م، أن السائد هو عدم النظر لإفريقيا حتى الآن من قبل رجال الأعمال والمستثمرين، على أنها في قلب صناعة التكنولوجيا الفائقة محليًّا، أو كسوق ذات إمكانات تجارية، ولا يزال من الصعب العثور على الكثير من رواد الأعمال الذين يذكرون إفريقيا في عروضهم الاستثمارية كوجهة تسويقية رئيسية لهم. كما يُبيِّن أن أغلب الإسرائيليين يعتمدون على الأحكام المسبقة، ويَصِمُون إفريقيا كقارة تضم بلدانًا منكوبة، في ظل أنظمة إشكالية وفاسدة؛ حيث تحتل الهيئات التطوعية العالمية والمؤسسات الخيرية مكانة مركزية هناك.

ومع ذلك، على الرغم من أن إفريقيا ليست خالية من المشكلات والتحديات المعقَّدة، فإن الصورة الفعلية بعيدة كل البُعد عن صورتها في مجال ريادة الأعمال والابتكار التكنولوجي، وبخاصة في العديد من المناطق مثل كينيا، التي أُطلق على عاصمتها نيروبي لقب “سافانا السيليكون” بفضل النظام البيئي المفعم بالحياة هناك، أو نيجيريا، التي شهدت قفزة في حجم رأس المال الاستثماري في شركات التكنولوجيا بلغت قرابة ستة أضعاف، خلال الأعوام 2018-2022م.

ويقول الكاتب: إن هذا الاتجاه يزداد زخمًا بفضل عوامل مختلفة، أهمها التحول الرقمي الكبير، وتنفيذ البنى التحتية التكنولوجية الأكثر تقدمًا والاستثمارات العالمية التي حملت آثارًا اجتماعية واقتصادية على المدى البعيد. كما تساعد الجهات الفاعلة الدولية والمحلية في ذلك، إلى جانب النشاط المكثف للمحفزات المحلية، بدعم من الهيئات الحكومية التي ترى في الابتكار هدفًا وطنيًّا، والدعم الهائل من الصناديق والمؤسسات المالية والمؤسسات الدولية لدعم التنمية.

ويشير ميندلباوم إلى أن الاستخدام المتزايد للهواتف النقالة حوَّل إفريقيا دفعة واحدة لأحد مراكز التكنولوجيا المالية (FinTech) الأكثر تقدمًا في العالم، لتسبق بذلك دولًا متقدمة ودولًا غربية يُنظر إليها على أنها مبتكرة وحديثة.

ويعتقد الكاتب الإسرائيلي أن إحدى الثورات المهمة التي تشهدها إفريقيا اليوم لا تقتصر على قطاعات مثل التكنولوجيا الزراعية أو الطاقة فحسب، بل في عوالم التكنولوجيا المالية والمدفوعات عبر الهاتف النقال، وبخاصة في منطقة شرق إفريقيا؛ إذ شهدت دول مثل كينيا وتنزانيا والدول المجاورة حالة من التسارع الكبير في السنوات الأخيرة، في مجالات الشمول المالي، أي جعل الخدمات المالية في متناول جميع طبقات السكان.

إن القفزة التي حقَّقتها البلدان الإفريقية في العقد الأخير نحو دخول عصر الهاتف النقال أتاحت لملايين الأشخاص، بمن في ذلك أولئك الذين يعيشون في القرى النائية، والذين لم يتصلوا قط بخطوط الهاتف (الأرضي)، أتاحت لهم شراء جهاز محمول، أو الاتصال بالإنترنت، أو ببساطة استخدام الرسائل القصيرة (SMS) لتنفيذ التعاملات المالية المختلفة.

ويرى ميندلباوم أن الاستخدام المتزايد للهواتف النقالة أسهم في تحويل إفريقيا إلى واحدة من أكثر مراكز التكنولوجيا المالية تقدمًا في العالم، وأن الأفارقة الذي لا يمتلك نصفهم تقريبًا حسابات مصرفية، حوَّلوا الهاتف النقال إلى أداة رئيسية، يمكنهم من خلالها تحويل واستلام المدفوعات، والتسوق عبر الإنترنت وحتى استخدام منتجات مالية أكثر تعقيدًا، مثل الحصول على القروض، وفتح حسابات الادخار، وما إلى ذلك.

وحوَّل هذا الوضع إفريقيا إلى منطقة جذب لشركات التكنولوجيا المالية التي تهرول إليها لتقديم حلول وابتكارات، وجذب الزخم الاقتصادي الكبير رواد الأعمال المحليين والأجانب لتدشين شركات ناشئة في هذه الأسواق؛ إذ تُظهر معطيات شركات أبحاث السوق مثل: “مجموعة بوسطن الاستشارية” و”ماكينزي”، أنه بحلول عام 2023م سوف تُضاعِف شركات خدمات التكنولوجيا المالية في إفريقيا قيمتها السوقية من 30 إلى 65 مليار دولار.

وفي الوقت الراهن يعمل في إفريقيا عدد كبير من الشركات العالمية الكبرى والشركات المحلية، من بينها عدد من الشركات الإسرائيلية، أبرزها شركة (Fido) العاملة في مجال الإقراض المتناهي والتصنيفات الائتمانية البديلة، وشركة (OKO) العاملة في مجال التأمين على صغار المزارعين جراء الآثار المناخية، وشركة (Fuse.io) التي توفر قاعدة تعتمد على تقنية سلسلة الكتل اللامركزية (بلوكتشين) للمدفوعات والتطبيقات المالية الأخرى للأعمال وأصحاب المشروعات.

وذهب ميندلباوم إلى أن الحديث يجري عن فرصة كبيرة لمباشرة أعمال هائلة إلى جانب إمكانية تأثير جوهري في الممارسة العملية، ينعكس على جودة حياة ملايين البشر، بيد أنه يتعين على الشركات الإسرائيلية الناشئة أن تتعاطى مع إفريقيا من وجهة نظر مختلفة عن تلك التي نعرفها في الأسواق الغربية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا.

ويعتقد الكاتب الإسرائيلي أن نجاح الشركات الإسرائيلية الناشئة في إفريقيا يحتّم عملية مواءمة حسّاسة بشكل استثنائي تجاه القوة الشرائية للمستهلكين، وتجاه المعايير التنظيمية والاستقرار الحكومي، وطبيعة البنى التحتية التكنولوجية المتاحة والخصائص الاقتصادية والثقافية الفريدة. ويضرب مثلًا بالقوة الشرائية الأقل للمواطن هناك، وحتمية تكييف نماذج الأعمال مع هذا الوضع على غرار نموذج الأعمال B2B2C (نموذج أعمال للتجارة الإلكترونية على أساس قاعدة: من شركة إلى شركة إلى مستهلك)، أو عقد شراكات مختلفة مع المؤسسات المالية ومزودي الاتصالات من أجل تحقيق إمكانات الربح. كما يوضح أن الانتشار الواسع المحتمل في سوق نامية بشكل مستمر قد يعوّض في المستقبل القريب القوة الشرائية المنخفضة للمستخدم النهائي.

وينصح ميندلباوم بأنه عند التعامل مع السوق الإفريقية، فإن عمليات التعلم بشأن تطوير المنتجات أمام العملاء والمستخدمين، والتي تحدث في كل منتج رقمي، تحتاج إلى تركيز أكبر على خصائص واحتياجات الجمهور المستهدف الفريد، وتتم في الغالب من خلال وساطة الأطراف المحلية.

وختم بأن قدرة الشركات الإسرائيلية الناشئة على تنويع وفتح أسواق جديدة والجمع بين إمكانات الأعمال العالية والقدرة على تقديم أشياء جيدة للعالم، تتطلب قبل كل شيء فَهْم السوق الإفريقية، واستعدادًا للفهم المختلف والرغبة في التعلم بشأن السوق والمستخدم، من باب التواضع والإنصات، إلى جانب التحفيز لبدء توفير حلول تتوافق مع احتياجات التطوير الاستثنائية، والعمل القائم على الشراكات مع الكيانات المحلية.

إن التكيُّف مع السوق والتخطيط المسبق يمكن أن يجعل شركات التكنولوجيا المالية الإسرائيلية عنصرًا مهمًّا، مما يخلق تأثيرًا في البلدان النامية إلى جانب الأرباح التجارية والإيرادات الكبيرة.

مؤيدو النظام الإريتري يزعمون: من يعارض – يُعدّ جبانًا ينبغي قتله[3]

تستهل الكاتبة شاكيد ساديه مقالتها بصحيفة معاريف بتاريخ 1 أكتوبر 2023م، برسم صورة عملية للواقع الحالي بشأن المهاجرين الإريتريين، الذين جلبوا معهم نسخة من الصراع السياسي المحلي، وحوَّلوا شوارع عواصم عديدة إلى ساحة لهذا الصراع بين مؤيدي ومعارضي النظام الحاكم في أسمرة، إذ اندلع شجار جماعي بين مواطنين أجانب من إريتريا في شارع هرتزل في مدينة نتانيا، قُتل خلاله أحد المشاركين طعنًا، وأُصيب ما لا يقل عن 10 أشخاص، من بينهم إصابة خطيرة، وأظهرت مشاهد القتال المتورطين وهم يرمون الكراسي والعلب، وبعضهم ملقًى على الأرض ينزف دمًا، بينما ألقت الشرطة، التي بدأت التحقيق في القضية، القبض على 6 من المشتبه بهم لتورطهم في الشجار العنيف.

وقبل ساعات معدودة من هذا الشجار، أُصيب 11 مواطنًا إريتيريًّا في شجار وقع في حي هاتيكفا، جنوبي تل أبيب، واعتقلت الشرطة 15 مشاركًا للاشتباه في تورطهم في القتال، وفي الوقت ذاته، قام مسعفو مرفق الإسعاف “نجمة داوود الحمراء” بإخلاء المصابين، ومن بينهم شاب 20 عامًا وشخص آخر في حالة خطرة، و4 في حالة متوسطة، و5 في حالة طفيفة.

وتنقل الكاتبة رواية الشرطة التي أشارت إلى أن ثمة شكوكًا في أن هذا القتال على صلة بالصراع بين مؤيدي النظام الإريتري ومعارضيه، وهو الصراع الذي أدَّى إلى أعمال شغب شديدة في جنوب تل أبيب بداية الشهر (سبتمبر)، شارك فيها نحو 170 شخصًا، وتسبب في إصابات بين صفوف الشرطة، إضافة إلى دمار كبير عقب اعتزام السفارة الإريترية إقامة مهرجان بمناسبة عيد استقلال البلاد.

وحاورت شاكيد اثنين من الناشطين الإريتريين؛ بغية الوقوف على ملابسات ما يحدث وعن أسباب أعمال الشغب، وما وراء الصراع المستمر بين مؤيدي ومعارضي النظام الإريتري في إسرائيل، ومحاولة التعرف على وجهة نظرهم بشأن ضرورة عدم توفير ملاذ لمؤيدي النظام.

مولو زعودا، ناشط اجتماعي إريتري يقطن مدينة بيتاح تيكفا، كشف للكاتبة أن المهرجان الذي كانت السفارة الإريترية تخطط لإقامته، أقيم في كل الدول التي يوجد بها لاجئون إريتريون، مثل: ألمانيا، وكندا، وسويسرا، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرهم، ويقول: إن الهدف من وراء جمع فنانين ومغنيين من إريتريا، يقومون بجولات من الحفلات الموسيقية في جميع أنحاء العالم وفي إسرائيل، “هو بيع أكبر عدد ممكن من البطاقات؛ لجمع الأموال لصالح النظام الحاكم في البلاد وتعزيز مكانته ومكانة الدكتاتور”؛ على حد وصفه.

ويعتقد الناشط أن 70% من الإريتريين الموجودين في إسرائيل “هم ضد النظام في أسمرة، وقد أتوا إلى إسرائيل هربًا من تهديد حقيقي يطال حياتهم في بلدهم الأصلي، لمجرد أنهم تجرأوا على قول شيء ضد السلطة أو عصيانها. ومن ناحية أخرى، جاء أنصار النظام إلى إسرائيل لكسب المال والعمل هنا، وليس لأن هناك تهديدًا لحياتهم”.

ويطالب الناشط بضرورة فهم أنه في إريتريا لا يوجد قانون ونظام، ولا عدالة، ولا ديمقراطية، ولا أمن، ولا اقتصاد طبيعي ولا مساواة، ولهذا السبب هم يعارضون الحكومة. ومن ناحية أخرى، يقول: “أولئك الذين يدعمون النظام عادة ما يفعلون ذلك؛ لأن لديهم منزلًا في إريتريا، ولا يريدون أن يمس النظام ممتلكاتهم. وهناك مؤيدون آخرون مقربون من السلطة أو يتقاضون راتبًا منها؛ بغرض تشجيع الناس على دعمها معنويًّا وماديًّا وإيذاء المعارضين.

عندما أدركنا، نحن معارضي النظام، أنه سيتم عقد مهرجان هنا، حيث سيتم جمع الأموال لتعزيز وتمكين النظام الذي يعاقب عائلاتنا التي بقيت هناك، ويسبب لهم ولنا معاناة كبيرة لسنوات؛ لم نستطع الوقوف مكتوفي الأيدي. عندما قمنا بمظاهرة أمام السفارة الإريترية في تل أبيب، وتسبّبنا في عدم إقامة المهرجان وفي دمار حلَّ بالمكان، غضب المؤيدون وأصبحت التظاهرات عنيفة تجاهنا. نحن نعتذر ونشعر بخيبة أمل مما حدث، لم نرغب في إثارة بلبلة في البلاد أو إيذاء السكان أو رجال الشرطة الإسرائيلية”.

وتواصل الكاتبة الاقتباس عن الناشط الإريتري، والذي ذكر أن “المواجهات بين المعارضين ومؤيدي النظام في إسرائيل لم تبدأ في الآونة الأخيرة فحسب، بل إنها مستمرة منذ سنوات. للأسف، ظاهرة قتل معارضي النظام مستمرة منذ سنوات منذ وصولنا هنا، ولكن المتفق عليه هو الصمت إزاء هذه الحالات وتركها داخل مجتمعنا. إن مبرّرهم للقتل هو أن من يعارض النظام جبان يتعين قتله. لقد كانوا يهددوننا دائمًا ويحاولون إخافتنا، لكننا حاولنا التعامل بشكل سلمي وعدم اتباع أساليبهم العنيفة. إنهم حريصون جدًّا على إيذائنا أيضًا لأنهم يتلقون أموالًا من الحكومة مقابل كل عمل من هذا القبيل”.

ويروي الناشط الإريتري أنه في حالة مروعة، غادر رجل منزله، وكان في الماضي يتحدث بالسوء ضد النظام في أسمرة، وفي طريق العودة إلى منزله، طعنه أشخاص من أنصار النظام بسكين، وبعد ذلك، سمع معارضو النظام عن الأمر فدعموه واشتبكوا مع طاعنيه، ولاحقًا وصلت الشرطة وأطلقت النار على معارضي النظام، وأُصيب اثنان منهم، وقُتل أحد المؤيدين. وذكر: “بالنسبة لهم كل من يعارض النظام يمكن قتله بغض النظر عمَّن يكون”.

“على الرغم من الصعوبات هنا، فإن المواطنين الأجانب لا يرون أي خيار للعودة إلى البلد الذي أتوا منه، بالنسبة لي، إريتريا هي جحيم لا أستطيع البقاء فيه، لا يمكنك التفكير أو التعبير عن رأيك هناك، لا توجد حرية تعبير هناك، وإذا فكرت في فكرة مناهضة للحكومة قد يُزَجّ بك في السجن أو حتى تُقتَل، إن إريتريا هي كوريا الشمالية الإفريقية، لا توجد حقوق إنسان هناك إطلاقًا”؛ هكذا يقول الناشط.

وتحاور الكاتبة مهاجرًا إريتريًّا آخر يدعى جون، يقطن جنوب تل أبيب، وتقول: إنه أيضًا ناشط اجتماعي معارض للنظام في أسمرة، والذي يذكر أن السلطات في أسمرة تطلب من الشباب الالتحاق بالجيش مقابل مبلغ مالي شهري ضعيف لبقية الحياة وبدون حقوق، وأنه إذا قرر شاب عدم التجنيد والهروب، فقد يلقون به أو بزوجته في السجن لسنوات عديدة، ويسلبونه أيضًا ملكية منزله.

ويضيف: “أنا في إسرائيل منذ 14 عامًا، منذ هروبي من إريتريا، إن إريتريا بلد بلا أمل أو قانون أو عدالة، والمواطن هناك مُجبَر على التجنيد لبقية حياته، كما أنه ليس هناك حق في الاختيار، يأخذون المواطنين إلى السجون، يطلقون النار على الناس كما لو كان الأمر عاديًّا، رئيس الوزراء ديكتاتور يعمل مع الفاسدين، ويأخذ أموال البلاد لاستخدامه الشخصي”.

ويروي الناشط جون كيف أنه عانى كثيرًا من النظام، وأنه خدم بالجيش، وبعد عام من الخدمة لم يوافقوا على منحه إجازة لرؤية عائلته فقرر الفرار، مضيفًا: “الوضع ليس كما هو الحال في إسرائيل، حيث يعود الجندي مرة كل أسبوعين على الأقل. أيضًا فيما يتعلق بالراتب، يعطونك عشرة دولارات شهريًّا ويجبرونك على الخدمة لبقية حياتك بهذا الراتب، لم أستطع الاستمرار في العيش بهذه الطريقة”.

وتختم الكاتبة بأن كل من مولو وجون على قناعة بأن أنصار النظام الحاكم في أسمرة لا يحتاجون إلى اللجوء في إسرائيل، وأنهم أتوا فقط للعمل وكسب أكبر قدر ممكن من المال، وتقتبس عنهما أنه “إذا كان أنصار النظام يقولون: إن إريتريا جيدة فلماذا هم هنا؟ هم يزعمون أنهم في إسرائيل من أجل العمل، ولكن هل قطعوا كل هذه المسافة من إريتريا إلى هنا للعمل فقط؟”.

كما تنقل عن مولو قوله: “لا أستطيع أن أفهمهم، من يدعم النظام فليرجع إلى بلده، إنه لا يواجه تهديدًا حقيقيًّا يطال حياته مثلنا نحن معارضي النظام، ولا يمكنهم قتله، الشيء الذكي الذي يجب القيام به في دولة إسرائيل، في رأيي، كما هو الحال في دولة كندا، هو أن أولئك الذين يطلبون اللجوء هم فقط الذين سيحصلون على المساعدة، وليس أولئك الذين يدعمون النظام ويأتون إلى هنا فقط للبحث عن عمل”.

أمَّا الناشط جون فقد ختم بالقول: “المعارضون فقط هم من يستحقون حماية حياتهم، ويحتاجون إلى الأمن جراء التهديدات، على عكس الآخرين الذين يأتون إلى هنا لأسباب أخرى غير ذات صلة”.

 

المصدر: مجلة قراءات إفريقية

الهوامش

1. دانيال إيدلسون، “كنيسة تضم ملايين الأتباع تصدر قرارًا رسميًّا: إسرائيل – دولة فصل عنصري”، صحيفة يديعوت أحرونوت (بالعبرية)، 4 أكتوبر 2023م، على الرابط: https://www.ynet.co.il/news/article/bjdwrtcg6

2. دافيد ميندلباوم، “إفريقيا تنتظر شركات التكنولوجيا المالية الإسرائيلية”، موقع PC)) ناس وحواسب (بالعبرية)، 2 أكتوبر 2023م، على الرابط: https://www.pc.co.il/editorial/395465

3.. شاكيد ساديه، “مؤيدو النظام الإريتري يزعمون: من يعارض – يعد جبانًا ينبغي قتله”، صحيفة معاريف (بالعبرية)، 1 أكتوبر 2023م، على الرابط: https://www.maariv.co.il/news/israel/Article-1041866

spot_img