خلال تسعة شهور مضت من الولاية الثانية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لم يكن الزمن الإداري يموت على وقع الانتظار أو المجاملة، بل على إيقاع برنامج انتخابي حمل اسمًا يفيض بدلالات الأمل والطموح: “طموحي للوطن”. لم يكن شعارا عابرا يُرفع لدغدغة المشاعر ومغازلة العواطف، بل كان رؤية مكتملة الأركان، أخذت طريقها من الورق إلى الواقع، ومن القول إلى الفعل، مستندة إلى إرادة سياسية، خيارها أن الوطن بكامله ـ أطرافًا ومراكز ـ هو حقل للتنمية، لا استثناء في ذلك ولا تمييز.
في كوركول وكيديماغا، وفي لبراكنه ولعصابة، وفي غيرها من نواحي الوطن انطلقت الورش الكبرى ضمن البرنامج الاستعجالي للولايات، حيث ارتفعت البنى التحتية من باطن الأرض، كأنها تنهض من غفوة دهر طويل.
أكثر من ألف ومائة فصل دراسي شرع في بنائها، وأربعون نقطة صحية جديدة شُيّدت بأحدث المعايير، لتقول الدولة لأبنائها في الداخل: لم تعودوا خارج الحسابات. لم تكن هذه المعطيات معزولة عن السياق العام، بل جاءت في إطار خطة شاملة تمتد لتشمل الوطن كلّه، حيث تضع الحكومة اللمسات الأخيرة على مناقصات لبناء مستشفيات جهوية ومراكز صحية حديثة في بقية الولايات.
وقد أضاءت توصيلات الكهرباء الجديدة قرى ونجوعا لم يكن الحالمون من ساكنتها قبل خمس سنوات يحلمون بنفاذها إلى خدمات الكهرباء، وبدأت مياه الشرب تتدفق إلى مناطق كانت إلى وقت قريب تحارب العطش بمزاود وقرب على ظهور الحمير.
أما الطرق، وهي من شرايين الدولة الحديثة، فقد شهدت تعبيد ما يزيد على 700 كيلومتر، ضمن مسار طموح يشمل طرقًا استراتيجية مثل تجكجة – ول ينج، أطار – شنقيط، الصواطة – مونكل – باركيول، إضافة إلى جسور نواكشوط التي اكتملت، مُردَفة بالدخول القوي لباصات شركة النقل العمومي على كل المحاور، إيذانًا بتحول جذري في البنية الحضرية للعاصمة.
التعليم، بصفته الاستثمار الأسمى، كان أولوية الأولويات وبيت قصيد الطموح؛ فبموجب قانون إطار صادقت عليه الحكومة، بدأ العمل على تجسيد حلم “المدرسة الجمهورية”، مدرسة واحدة لجميع أبناء الوطن، بلا تمييز ولا تصنيفات. بُنيت آلاف الفصول، ودُعّمت التكوينات المهنية، وطُوّرت المؤسسات الجامعية، لتضع البلاد أقدامها بثقة في عالم المعرفة والتنافس.
في المجال الصحي، انطلقت رؤية استراتيجية طموحة لإصلاح المنظومة الوطنية للصحة، شملت تعزيز الطواقم، وتحديث التجهيزات، وتوسيع الشبكات.
أما الزراعة، فهي الورقة الرابحة في مسار السيادة الغذائية، حيث ارتفع إنتاج الحبوب بنسبة فاقت 40% مقارنة بعام 2019، واستُصلحت آلاف الهكتارات، وزُوّد الشريط الزراعي بشبكات مائية بطول 197 كلم، في حين تعززت حماية المراعي، وانطلقت حملات لتأمين الثروة الحيوانية ومكافحة الحرائق الموسمية في ولايات الداخل.
ليست هذه الأرقام وحدها التي تشهد، بل يشهد عليها وجدان الناس في القرى والمقاطعات، حيث بات للتنمية وجه ملموس، لا وعدا مؤجلًا.
اقترن الطموح بالفعل، وأصبح الوطن ـ كل الوطن ـ ساحة عمل لا هامش فيها للركود.
مأمورية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الثانية واصلت تأثيث وإعادة تشكيل الحاضر وصياغة المستقبل، على أرضية وعي عميق بأن التنمية لا تُنجز من مركز السلطة وحده، بل من جذور الأرض التي تحتضن الناس، وتستحق أن تُروى بالعدالة والإنصاف.
هكذا، وبلغة هادئة ووتيرة واثقة، بدأ التحول. وها هو الوطن يمضي في درب جديد، لا يكتفي بالبقاء، بل يطمح إلى النهوض، ويأبى أن يعود إلى الوراء.